19 سبتمبر 2025
تسجيلالشكوى المستمرة من الفساد الإداري والمالي جعلتني أضع « المنصب» بين قوسين؛ بمعنى أنه السبب الموضوعي لذلك وليس الشخص كسبب ذاتي، بمعنى أن كل من سيتولى «المنصب» وأعني هنا المناصب التنفيذية العليا: كالوزارة أو رئاسة مجالس الإدارة وغير ذلك من المناصب التنفيذية العليا، سيكون عرضة وموضوعاً لشبكة الفساد، وبالتالي ليس السبب ذاتياً بقدر ما هو موضوعي. بمعنى آخر أن الشخص يفقد حصانته الذاتية وينساق لمتطلبات المنصب وضغوطه، ولكن في نفس الوقت، ارجع بذاكرتي إلى الماضي القريب لأجد أمثلة مغايرة تماماً لهذا التصور، حينما يفقد المنصب إغراءاته أمام حصانة من يتبوأه خلقاً وديناً وورعاً. حينما كان الورع والإخلاص وزيراً، كنا نرى حرص الوزراء على القيام بأعمالهم على خير وجه، عندما كان الإخلاص وزيراً ؛ رأينا دواماً صباحاً ومساءً في استكمال حاجات المواطنين الضرورية، عندما كان الورع وزيراً سمعنا ورأينا تفانياً في خدمة المواطن. عندما كان الإخلاص والورع وزيراً، خرج الوزير من الوزارة ليس بجيب ممتلىء وباسم ملوث يتوارى من الأنظار خجلاً مما عُرف عنه، وإنما بقلب ممتلىء بحب الناس وبسمعة تفوح برائحة الشكر والعرفان، عندما كان الورع والإخلاص وزيراً فتح الوزير مكتبه وقلبه للمواطن. عندما كان الورع والإخلاص وزيراً كان الحرص على الطلاب وعلى فلذات الأكباد تتطلب من الوزير حتى أن يلاحق باصات المدارس؛ ليعاقب من يسرع ويعرض حياة الطلبة للخطر. عندما كان الورع والإخلاص وزيراً، كان توظيف القطريين أولوية قصوى، حينما كان الورع والإخلاص وزيراً. جاءت المساعدات من جميع الوزارات لكل مواطن دونما تمييز ولا واسطة ولا محاولات للتكسب على حساب المجتمع. عندما كان الورع والإخلاص وزيراً كان الوضوح والمكاشفة والصراحة والثقة ديدن العلاقة بين الوزير والمواطن، حينما كان الورع والإخلاص وزيراً كان المنصب صغيراً أمام شخصية المسؤول لا يسأل عن مدة إقامته فيه بقدر ما يسأل عن ما يقدمه للناس. بدأت أتيقن بأن الشخص هو المشكلة وليس المنصب. فالورع والإخلاص قل منسوبهما بشكل كبير، والأفظع من ذلك حينما يصبح الأمر متسلسلاً بحيث تمسك طرف الخيط ولكن لا يمكن أن تصل إلى نهايته دونما ينبىء بما يزلزل المجتمع أخلاقياً ومعنوياً. الإشكالية الكبرى حينما يصبح الأمر عادياً ويصبح التحقيق جزءاً من المسلسل، والنتيجة جزءا من نهاية الأفلام العربية، حيث يلتم البطل على البطلة ويتزوجان ويخلفان صبيان وبنات ويعيشان في سلام ونبات، وإلى فيلم آخر أو بالأحرى إلى وزارة أخرى. [email protected]