15 سبتمبر 2025
تسجيلعند الحديث عن القضاء والعدالة الناجزة لابد من الاستئناس بالرسالة الشهيرة التي بعث بها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لأبي موسى الأشعري القاضي. جاء في رسالة القضاء، في المقطع المتعلق بالعدالة الناجزة قوله رضي الله عنه موجهاً حديثه لأبي موسى الأشعري ويخاطبه بصفته قاضياً «فافهم إذا أدلى إليك الخصمُ بحجته، فاقضِ إذا فهمت، وأنفذ إذا قضيت، فإنه لا ينفعُ تكلم بحق لا نفاذ له. وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف عن عدلك. بهذه الكلمات الموجزة، عبر أمير المؤمنين عن فكرة العدالة الناجزة، وأوجز التعريف بها، وحدد المقصود منها، ولم يترك بعد سبيلاً لمن يقرأها إلا أن يوعبها شرحاً وتبياناً. فلقد ربطت رسالة القضاء سرعة الفصل في الدعوى بمعيار فاصل وحاسم وهو المعيار الأهم، «الفهم». فمفهوم العدالة الناجزة من هذا المنطلق الذي حدده أمير المؤمنين يتلخص في أمرين هما: 1) إصدار الحكم القضائي 2) فهم الحجج التي يدلي بها كل خصم إن تناولي لهذا الموضوع، وإن لم أكن دارساً للقانون، يأتي من الواقع الاجتماعي الذي يتأثر سلباً وإيجاباً بالقضاء وتعامله مع قضايا الناس والفصل فيها والحكم بها وتنفيذها، بحيث نصل للعدالة الناجزة. كثير من قضايا الأفراد والمجتمع عالقة في المحاكم، وقد مرت الأيام والسنون وما زالت تراوح مكانها. ولقد أثر ذلك على علاقات الأفراد والأسر والعائلات في المجتمع، بحيث تجد الأخ في نزاع مع الأخ والأب مع الابن، وحقوق تنتظر الحسم فيها حتى يأخذ كل ذي حق حقه. فما معوقات العدالة الناجزة في مجتمعنا القطري؟ في ملتقى لمجموعة من القضاة والمحامين عقد في عام 2020 أكدوا أن معوقات العدالة الناجزة بطء إجراءات التقاضي وعدم تفعيل الإجراءات الإلكترونية والتحول إلى التقنية الرقمية لتحقيق العدالة الناجزة وعدم إجراء مراجعة شاملة للتشريعات الإجرائية. ولقد قدم الأستاذ المحامي يوسف الزمان ورقة عمل صنف فيها المشاكل التي تواجهها العدالة في المجتمعات العربية، وقدم وجهة نظره في حل هذه المشكلات قائلا: «لا خيار للعدالة في دولنا ومجتمعاتنا إلا أن ترتدي ثوباً جديداً عصرياً من التكنولوجيا والتحول الرقمي لجميع إجراءات التقاضي وتسخير التكنولوجيا الحديثة والعالم الرقمي لتسهيل وصول المتقاضين لحقوقهم، مع ضمان حماية حقوق الأفراد في الدفاع واتخاذ الإجراءات في مواجهة الخصوم وحق الادعاء العام أمام القضاء وحريته وشفوية المرافعات وعلانية الجلسات والتقاضي على درجتين». لا شك أن ما ذكره الأستاذ يوسف الزمان واقع يعيشه الناس صباحا ومساء، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً مهماً من حياتهم اليومية ومدونات لكل تفاصيل حياتهم ويسجل فيها كل صغيرة وكبيرة، لذلك هي أدوات مهمة في تحقيق العدالة الناجزة. إن كلمة صاحب السمو الأمير المفدى لدى افتتاح دور الانعقاد الثاني لمجلس الشورى، حينما قال: «ويأتي تطوير أنظمة العدالة الناجزة التي لا غنى عنها لاستقرار المعاملات، وكفالة الحقوق، فالعدالة البطيئة، كما ذكرت سابقاً في هذا المجلس الموقر، هي نوع من الظلم». هي استجابة وتفاعل مع قضايا المجتمع وتجاوب لاحتياجاته التي تأتي في مقدمتها العدالة الناجزة، وقد بعثت كلمته لقطاع كبير من المجتمع وخصوصاً أصحاب القضايا والعاملين في المجال القانوني والقضائي اطمئناناً بأن الحل قادم وإن الدولة ستعالج كل أسباب «العدالة البطيئة». وعلى مجلس الشورى أن يرقى لمسؤوليته الدستورية في معالجة قضايا الناس وصولاً للعدالة الاجتماعية التي تحتاج لتعديل ومراجعة التشريعات والقوانين النافذة حالياً. إن حزمة من التشريعات المهمة، من بينها قانون التنفيذ القضائي، وقانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون الإجراءات الجنائية، وقانون السلطة القضائية، وقانون النيابة العامة هي الآن أمام مجلس الوزراء الموقر الذي عليه العمل منذ اللحظة في الإعداد لهذه القوانين والتشريعات وعرضها على مجلس الشورى تباعاً، فالمجلس عليه مسؤولية عظيمة أمام الأمير والشعب. وفي هذا السياق ولتكتمل الهيكلية القانونية والقضائية والتشريعية الدستورية للبلاد أصبح ضرورياً لاستقرار المجتمع وإزالة المعوقات التي تقف أمام إحقاق الحقوق المنصوص عليها دستوريا أن يتم تفعيل «المحكمة الدستورية العليا» التي تم إصدار قانون إنشائها في عام 2008. العدالة الناجزة بين الواقع والمأمول