14 سبتمبر 2025

تسجيل

مُلتقى كُتّاب الدراما

20 نوفمبر 2019

احتضنت الدوحة، الأسبوع الماضي، النسخةَ الثانية لمُلتقى كُتّاب الدراما، وهو حدثٌ ثقافي مهم، في ظل تراجع المستوى والأداء الدرامي في المنطقة العربية! وهو أيضاً فرصة لتبادل الآراء بين الفنانين العرب، حول المشكلات والإشكاليات المتعلقة بموضوع الإبداع الدرامي، في ظل بروز عدة أسئلة حول نوعية الإبداع أو تحديد دور الإبداع، في ظل التجاذبات بين قضية حرية التعبير الفني، وبين قيم المجتمع، ودور الرقابة في الحدّ من الإبداع. وعلى مدى يومين، تداول كُتّاب الدراما قضايا الدراما العربية، على محك التصورات الكبرى، وجماليات السرد، والحاضر والغائب من التصورات الكبرى في الدراما العربية، وأيضاً دراما الواقع ودراما الشاشة، وتنميط التصورات في الدراما العربية، وخصوصية التراث في الدراما العربية، والصورة التراثية وعصرنة الثقافة الجمالية. وكلها محاورُ مهمة جداً، على طريق الوصول إلى إنتاج درامي راقٍ يُرضي الذائقة الجماهيرية العربية. ولأنَّ الدراما بأشكالها المختلفة: من المسلسل، حتى الفيلم، حتى المسرح، تساهم في الحراك الفني لأي بلد، وتساهم في عملية التنوير من خلال الترفيه والتعليم، وتبصير الجمهور بالجوانب الفنية والاجتماعية، والفانتازيا أيضاً، ولأنَّ الجمهور "ملول" ولا يقبل التكرارات أو "النسخ"؛ فإن عامِل التشويق والإبهار من العوامل الأساسية التي تضمن نجاح العمل الدرامي. ولقد حصل حوارٌ ساخنٌ، في الفترات الماضية، حول مضامين الدراما الخليجية، هل هي تمثّل البلد الذي أنتجَ العمل، خصوصاً إن كان قد مثّل فيه ممثلون من نفس البلد! ووصل الأمر إلى حدّ التطرّف في رفض بعض الأعمال، كونها، حسب تعبير البعض، أنها لا تمثّلُ المجتمع المحلي، ومن غير المُفترض أن يتم إنتاجُ أعمال تدور أحداثها حول ظاهرة محدودة، لا يُمكن تعميمُها على كل الجمهور، أو لا تشكّل ظاهرة عامة! ورَدّ بعضُ الفنانين على هذا الاتجاه، بأن العمل الإبداعي هو عمل فنيّ، يحمل عدةَ أوجه! كما أن القصة الإنسانية، لا تعني بالضرورة، مجتمعاً معيناً، حتى لو أنتجت في بلد ذاك المجتمع!. هذه الإشكالية طرَحت نفسها ردحاً من الزمن في منطقة الخليج، وما زالت تشكّلُ عائقاً أمام حرية التأليف الدرامي. ونحن نميلُ إلى (إنسانية) النص، أو الدراما، وبالتالي لا يجوز النظر إليه على أنه ينقل، نقلاً فوتوغرافياً، لما يدور في المجتمع، حتى لو أُنتج في المجتمع ذاته. وإذا ما استطعنا الخروج من التصنيف أو التنميط الاجتماعي، فإننا نقترب من الدراما الإنسانية، التي تصلح لأي مكان وأي زمان. موضوع التراث حظيّ باهتمام كبير في الملتقى المذكور! وقفزت بعض الأسئلة: هل أوصل السينمائيون التراثَ بأمانة إلى الجمهور؟! وهل السينما عينُ الجمهور الفوتوغرافية، بحيث لا يتمُّ "المَساس" بالتراث "المُقدّس"، ويُنقل كما هو؟! وهل توجد قوانينُ أو مواعطُ تُحرّمُ تحديث التراث، وهل أسلوب (ألف ليلة وليلة) يصلح لأن يكون إنتاجاً سينمائياً أو تلفزيونياً، كما هو، دون إدخال حتميات المرحلة أو الزمان؟ ذلك أن للسينما خصوصياتها، التي تُفرض في العمل السينمائي. وهنا لا بد من التفريق بين أشكال التعبير بالجسد، في الثقافات المختلفة، والتي لا تكون مُستوعَبةً أو تتم ترجمتها من قبل ثقافات أخرى، فالرقص في التراث الهندي، مثلاً، كما قال الأستاذ عدنان مدانات، "ليس حركة جسَد بل تعبيرا دلاليا، وحتى حركة اليد لدى الراقصة، تتحول إلى رمز، لا يفهمه إلا الهندي"؟!. أخذَ موضوع التراث وقتاً طويلاً من أوقات الملتقى، ذلك أن تجسيد بعض الأحداث، مثل وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، في بعض الأفلام، أو ظهور الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم في مسلسل (عمر)، أو ظهور أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم في مسلسل (الحسين)، وكان الفكر السابق يُحرّم ذاك الظهور، ويعتبره تجسيداً غير جائز للخلفاء أو آل البيت. إن الفكر الجامد الذي لا يقبل الحوار، هو أيضاً لا يقبل حتميات الدراما، في العالم العربي، ولقد أشار الأستاذ عبدالحليم بوشراكي، إلى هذه القضية عندما ذكرَ أن الفكر "التراثي" لدينا اعتمد نظريةَ (خطأ) آدم عليه السلام، عندما أكلَ التفاحة!. فهذا التصرُّف ليس منطقياً، بل إن آدم عليه السلام أُنزلَ إلى الأرض بعد أن وصَل سنَّ الرُشد، ومارسَ حريتَه في أكل التفاحة! كما دعا المُحاضر إلى ضرورة استيعاب أدوات العصر ودلالاتها، ويرى أن المجتمع العربي يعود إلى الماضي متجاهلاً الواقع، ويقول: "لماذا نرمي أزماننا في الماضي؟"، ويدعو إلى تجديد الرؤية بذهنية مُعاصرة، لا بذهنية الماضي. الحديث عن التراث يطول وإن اتخاذه مادة متحولة وليست جامدة هو الأصل، في التجسيد الدرامي. ذلك أن تقنيات العصر، لا بد وأن تُوظّف في الأعمال الدرامية، واللجوء إلى العناصر الرمزية، التي تعكس الانتماء العربي، وخصائص الإنسان العربي. وقد لا نختلف مع مَن ذكرَ بأن التراث ليس شكلاً أو مضموناً، بل هو آليات فكرية!. وكثيرون لم يقتربوا من هذا المُصطلح، أو حاولوا تفكيكه. ولقد استطاع المسلسل الكويتي (الأقدار) التعبير بوضوح عن واقع المجتمع الخليجي، في عصر ما قبل النفط، وأدخلَ أُطراً فكرية بين ثناياه، خصوصاً ما تعلق بعُنصري الخير والشر، مع الاحتفاظ بروح الفكاهة في الوقت ذاته. تماماً كما جسّد مسلسل (ليالي الحلمية) الحياة في المجتمع المصري. الموضوع يتشعب حول الإنتاج الدرامي في الوطن العربي، ودور الكُتّاب في استنباط أفكارٍ ووسائلَ جديدة للنهوص بالأعمال الدرامية، وأهمية توسيع دائرة الفكر، حيث لا يجوز تطبيق المفاهيم الرقابية البالية، التي ما عادت تناسب العصر. وفي نهاية الملتقى، صدر بيان لبعض الآفاق التي طرحت في الملتقى، التي هدفت نحو النهوض بالدراما العربية، ومنها: إن حرية الكتابة شرط جوهري في أي عملية إبداعية، فما بالك بالكتابة الدرامية، التي لها سطوة خاصة على الناس. تأكيد مبدأ الكرامة الإنسانية والعلم والعمل والوقت والآخر، فالدراما ليست معنية بعرض ظواهر المجتمع فقط، وتناول السلوكيات السطحية، إنها معنية بتفكيك البنى العميقة للجمتمع العربي. فتح الأبواب أمام الكتابات الواعدة، لدعم الخطاب الدرامي السائد. ومن التوصيات الهامة: استحداث ورَش عمل متخصصة لكّتاب الدراما الشباب، للارتقاء بكتاباتهم، وتعزيز حضورهم. استحداث صيغ جديدة للملتقى تُخفِّف من البعد النظري. تقديم تجاربَ إبداعيةٍ شابة لتشخيص وضعية الكتابة الدرامية لدى الأجيال الجديدة. التنسيق مع المنابر المتخصصة لنشر أعمال الملتقى، وتخصيص محور دائم حول قضايا الدراما. الدراسة المبدئية للتحولات الحاصلة في المجتمعات على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي بالتنسيق مع الجهات المتخصصة، وتوظيف الناتج في بناء النصوص الدرامية. إيلاء الاهتمام بدراما الطفل. [email protected]