10 سبتمبر 2025
تسجيلنظرية الفوضى تسيطر على الوضع الحالي وخاشقجي «فراشة» التأثير الكبرى لماذا أدانت السعودية نفسها ببيان النيابة ولماذا قد يتحقق المتوقع أو المخطط له؟ السيناريوهات الأربعة المتوقعة لابن سلمان كنتيجة نهائية لقضية خاشقجي المؤمن بنظرية المؤامرة يقف في حيرة من أمره هذه الأيام وهو يشاهد تفوق نظرية الفوضى على عقله في إدارة الأمور في المنطقة، فرغم أن الاثنين يقدمان نفس النتيجة لكن الأولى تعتمد على خطط وسلسلة إجراءات واضحة للوصول إلى هدفها، بينما تهدف الثانية إلى الوصول لنفس الهدف مع سلسلة من العشوائية التي يظنها الناظر إليها لا القائم بها. ينشغل العالم اليوم بقضية جمال خاشقجي ونتائجها المحتملة خاصة مع ازدياد الخناق على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولكن السؤال الذي يطرح هو: لماذا حملت هذه القضية هذه الضجة رغم الجرائم الأكبر والأفظع للنظام السعودي؟. الحقيقة أن ولي العهد السعودي لم يتعلم، وبالتالي لم يقرأ، فجاء بمستشارين تحت شعار «ما خاب من استشار» لكنه اختار أسوأهم، فهم إما مثله أو دونه، ويبدو أن أحدهم (سعود القحطاني) هو «من . . شار» على محمد بن سلمان بـ استخدام المنشار. محمد بن سلمان منذ توليه الحكم يظهر جلياً أنه ومن حوله لا يقرأون التاريخ، ولا الكتب، وجمال خاشقجي ليس مهماً للمجتمع الدولي بهذا القدر، ولكنه «تأثير الفراشة» الذي جعل كل العالم اليوم ينهمك في قضية جمال خاشقجي ويتحدث عنها. تأثير الفراشة مصطلح في النظريات الفيزيائية والفلسفية وغيرها واستخدم بشكل واضح في نظرية الفوضى باعتباره مصطلحاً مجازياً يعبر عن أن حدثاً صغيراً يمكن أن يكون له ارتباطه بمجموعة من الظواهر وله سلسلة من الترابطات والتأثيرات المتبادلة والمتواترة التي ينجم عنها حدثا آخر في مكان آخر يفوق ما تصور الجميع، وله مثال شهير للتبسيط على القارئ يقول: إن رفرفة جناح فراشة في الصين قد يتسبب عنه فيضانات وأعاصير ورياح هادرة في أبعد الأماكن في أمريكا أو أوروبا أو أفريقيا. خاشقجي هو الفراشة، ونتائج جريمة قتله هو التأثير الناتج عنها، وسواء حاولت السعودية الضحك على نفسها ببيان النيابة العامة الهزيل، أو مجموعة الأشخاص الذين تحاول تحميلهم المسؤولية فإن هذا التأثير سيكبر يوماً بعد يوم، وسيحقق تأثيره النهائي، سواء كان اللا متوقع، أو سواء الذي خطط له من أوقع السعودية في هذا الفخ. في عام 1991 قال أستاذ فخري بريطاني-أمريكي لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون. اسمه برنارد لويس تخصص في تاريخ الإسلام والتفاعل بين الإسلام والغرب، وتشتهر خصوصا أعماله حول تاريخ الدولة العثمانية عن موت العالم العربي ككيان سياسي واقترح استخدام مصطلح «الشرق الأوسط» بدلا من «العالم العربي»، واليوم نبدو أمام حالة سياسية تحتاج لمن يقول لابن سلمان إن الوطن العربي أهم منك، وإن المملكة العربية السعودية أهم منك، و يجب ألا يترك ابن سلمان ليحدث نفسه بفكرة إما أن تبقى المملكة العربية السعودية، أو أبقى أنا، فقياساً على ما فعله ابن سلمان منذ صعوده في سلم الحكم فإنه سيختار نفسه على المملكة العربية السعودية، وهو فعل عادي من الطغاة الذين يرون في أنفسهم الوطن، فهم الأرض وهم الشعب وهم كل شيء، فإما أن يملكوا الأرض وما عليها، أو يتبعثر كل شيء. ما الذي يمكن أن تؤول إليه نتائج الجريمة، هذا السؤال الأكثر إلحاحاً، والذي يشغل كل الناس، فقد تأكد قتل خاشقجي، والناس تريد أن تعرف نتيجة واحدة، ما النتيجة ؟!! شخصياً أرى أن هناك أكثر من سيناريو يمكن حدوثه، لكن أياً منهم لا يمكن أن يحدث دون انقلاب في الموقف الأميركي على ابن سلمان سواء كان عبر ترامب نفسه بشكل طوعي، أو بأسلوب مكره أخاك لا بطل بناء على ضغط الإعلام الأميركي ومجلس النواب. السيناريو الأول يقول إن الضغط الدولي قد يتزايد على السعودية ويتطور ليشمل عقوبات متعددة على أفراد في القيادة العليا وبينهم ابن سلمان ومؤسسات كبرى في السعودية، وقد يصل الخناق على المملكة إلى مرحلة يجد فيها الملك نفسه مضطراً للتضحية بابنه حفاظاً على الدولة السعودية، فيقوم بتنحيه عن الحكم مقابل ضمانات دولية متعددة على عدم محاسبته وإغلاق ملف القضية تماماً. وهذا السيناريو وارد الحدوث مع بدء العقوبات الفردية على الثمانية عشر شخصاً التي أعلنتهم الولايات المتحدة وتضامن معها الاتحاد الأوروبي أو العقوبات المتعلقة على منع بيع السلاح للمملكة وهو تيار يكبر وتتزعمه ألمانيا. السيناريو الآخر أن يضيق الخناق على ابن سلمان شخصياً في الخارج والداخل، ويقرر هو أن يظهر في مظهر القائد للحفاظ على ما تبقى من صورته الأخيرة، فيقرر ترك الحكم حفاظاً على سمعة المملكة العربية السعودية، وهو أمر ليس ببعيد إذا ما أبعد عنه مستشاروه وقدم أقرب الناس إليه إلى المقصلة بدلاً منه، وبالتالي سيضعف ذلك دائرة الثقة المحيطة به وسيشعر هو بالخطر الشخصي، لكن هذا السيناريو قد يكون متأخر الحدوث، فلن يحدث في الوقت الحالي، بل ربما يكون بعد مضي وقت على إغلاق الملف، بحيث لا يرتبط التنازل عن المنصب مرتبطاً بالجريمة، وهو حل سببه أن العالم وخاصة الإتحاد الأوروبي وأميركا سيوصلان رسالة للسعودية مفادها: محمد بن سلمان لا يمكن أن يكون الملك القادم. السيناريو الثالث أن تطول الأزمة، وتشتعل أزمات أخرى، وينشغل العالم وينجح ابن سلمان أن يجد له مخرجا، لكن هذا السيناريو سيفتح أبواب جهنم على السعودية، وستصبح تحت مرمى الإعلام والدول الكبرى مع كل حركة، بل ستضطر لتقديم الكثير والكثير من التنازلات وستقبل بالعديد من الاملاءات لسنوات طويلة مقابل أن يحافظ ابن سلمان على نفسه، وليس غريباً إن شاهدنا الملك سلمان يمشي على خطى السادات ويحل بطائرته الخاصة ضيفاً على الكيان الصهيوني كأول التنازلات، بل ويفتتح السفارة السعودية في القدس!!.السيناريو الأخير لا يتسع المقام لذكره، لكن أهل الأمن والسياسة يعرفونه، وقد جربته الولايات المتحدة سابقاً في السعودية ونجحت فيه. الحقيقة المرة أن هناك روحاً أزهقت بطريقة شنيعة ، والعالم اليوم ينقسم بين من يريد العدالة وبين من يريد الاستفادة من هذه الأزمة اقتصاديا دون أي اعتبار للعدالة والإنسانية، وهؤلاء هم الخطر الحقيقي وليس ابن سلمان وحده ، لأن وجود أمثالهم هو من يسمح لأمثال ابن سلمان بالظهور. الجريمة التي ارتكبت مكتملة الأركان، والجهل السعودي في تنفيذها، ثم الغباء في إدارتها هما السبب الحقيقي في أنها وصلت لما وصلت إليه، بالضبط كما أن جزءا من أسباب انتصارنا على دول الحصار في هذه الأزمة ناتج عن جهل في التخطيط وغباء في الإدارة من قبل دول الحصار. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) . . صدق الله العظيم. [email protected]