12 سبتمبر 2025
تسجيلوحدت داعش العالم، كما لم يتوحد في أي حرب سابقة عبر التاريخ الحديث والمعاصر وربما القديم أيضا، فها هي القوات الفرنسية والروسية والأمريكية بل والإسرائيلية والإيرانية وميلشيا نصر الله ونظيرتها العراقية وقوات الأسد وجيش العبادي والحشد الطائفي، في وضع التحالف والتنسيق العسكري من خلال القصف الجوي والعمليات البرية، تحت عنوان حرب داعش. ومن خلف قوات تلك الدول والميلشيات، صارت الأغلبية العظمى من دول العالم في وضع التوحد أو التحالف أو التنسيق، أو الاصطفاف أو تقديم الدعم أو التأييد السياسي والإعلامي والاستخباري للمشتبكين في هذه المعركة. توحد العالم بشرقه وغربه، وبأديانه ومذاهبه وأيديولوجياته المتعددة، وخطى الخصوم للالتقاء مع بعضهم البعض، تحت عنوان شامل هو الحرب على الإرهاب، الذي صار اسمه الحرب على داعش. تلك الحالة لم تبدأ اليوم، وإنما هي جاءت تصعيدا وتعميقا وتطويرا، للنداء والخطة والإستراتيجية التي كان أول من أطلقها وحض عليها وضغط على الجميع لأجلها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ونائبه ديك تشيني ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد –إلى درجة التهديد الصريح بالحرب تحت عنوان من ليس معنا هو ضدنا، وما حدث الآن هو تغيير اسم القاعدة كعنوان للحرب على الإرهاب، إذ حلت داعش محل القاعدة، وأبو بكر البغدادي محل أسامة بن لادن. والفارق الأهم بين الحملة التي بدأها وقادها جورج بوش منذ 11 سبتمبر 2001، وتلك الجارية الآن،لا يتعلق بتبديل اسم القاعدة بداعش، بل بطبيعة العلاقات بين الدول المشاركة في تلك الحرب العالمية وبالتالي بطبيعة أهداف كل منها. لقد بدأت تلك الحرب تحت قيادة منفردة وحاسمة وتامة، للولايات المتحدة، لكن الحرب الجارية الآن، هي حرب تتكافأ فيها القوى وتذهب إلى القتال منفردة وكل منها مستقلا يبحث عن مصالحه وأهدافه التي لا شك تختلف بين دولة وأخرى. الفرق، هو أن سطوة وسيطرة الولايات المتحدة قد خفت الآن، وأن المعركة لا تجري لتحقيق أهداف الولايات المتحدة وحدها، كما كان الحال عليه حين بدأت أمريكا تشكيل التحالف الدولي لحرب الإرهاب. فهناك من يسعى لإسقاط بشار إذ يعتبره ونظام حكمه وممارساته أو جرائمه هي ما ولد ظروفا أدت لظهور داعش. وهناك من يعلن الحرب على داعش كغطاء لحربه على الثوار السوريين، إذ هو داعم لبشار كما هو حال روسيا، ولذا هي تقصف الثوار بأكثر مما تقصف داعش. وهناك من يراها فرصة تاريخية لتصعيد حربه على السنة باعتباره طائفيا يقتل ويدمر ويحرق على الهوية، فيما أطراف أخرى تراها فرصة تاريخية للعودة لممارسة احتلالها السابق (القديم) في المنطقة، وهناك يستهدف منع داعش من التمدد إلى مجتمعه فيحاربها في الخارج حرصا على تأمين الداخل، باعتبارها حركة تمارس الإرهاب والقتل للأبرياء..إلخ. وحدت داعش العالم إذن، غير أن الحرب عليها لم تعد سوى يافطة ضخمة مطاطة يجري تحته كتابة مصالح الدول القوية تحت عنوانها، حتى تحولت الحرب على داعش إلى عملية كاملة لإعادة التأسيس لمرحلة جديدة، لم تعد سوريا عنوانها وحدها، بل صار العالم العربي والإسلامي عنوانها الحقيقي المستهدف.. وإذ كانت الولايات المتحدة –وبريطانيا-هي من فتح الطريق لعودة الاستعمار مجددا وفي صورته الحربية القديمة، فقد حضرت كل الدول الاستعمارية الأخرى الآن-مضافا إليها إيران التي تحولت إلى دولة استعمارية –كمنافس للولايات المتحدة ومصارع لها على النفوذ والمصالح. وهذا هو الفارق الحقيقي بين الحرب على القاعدة وتلك الراهنة في الحرب على داعش. وحدت داعش العالم تحت عنوان حربها، وحضر الجميع ليوقع في دفتر المصالح وحجز المساحات والسيطرة على الثروات وتغيير الحدود وغرس القيادات في إدارات الحكم، وكلما تمددت داعش في مكان أو دولة، جرى توسيع مساحة الحرب والتقسيم والاحتلال، حتى صار هناك من صار يتساءل بينه وبين نفسه: وهل للدول الكبرى القدرة على الذهاب إلى كل المناطق التي تصل إليها داعش؟