12 سبتمبر 2025

تسجيل

الأخطاء في الأعمال الموجّهة للأطفال جريمة مضاعفة

20 نوفمبر 2014

إنّه ألم مضاعف حقا، أن تجد في كتاباتهم أخطاء نحوية وإملائية مزعجة، رغم أنهما وغيرهما أيضا، على تماسّ بالطفولة، التي هي عنوان المستقبل.. أسوقُ هذه المقدمة بعد وقعت عيني في يوم واحد على مثل هذه الأخطاء في صفحتين، من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، الأولى لشاعر وكاتب عربي للأطفال، والأخرى لمسؤول إحدى مؤسسات الطفولة العربية.خلوّ النصوص الإبداعية من الأخطاء النحوية والإملائية، جزء متمّم لقيمتها الفنية عموماً، وارتكابها يخدش فيها ويقلّل من قيمتها، في عالم الكبار، فما بالكم عندما تقع في عالم الصغار، ومن يخطئ في الكتابة على صفحاته، فلن تنجو كتاباته للأطفال من مثل هذه الأغلاط بكل تأكيد.. سواء وجدت في كتب منشورة أو مجلات مطبوعة أو مواقع إلكترونية أو غيرها.ويلحق بذلك أيضا الأخطاء المسموعة، والتي تكون في أرقى تجليات تأثيراتها السلبية، عندما يستمع الأطفال إليها من المعلمين في المدرسة، أو من وسائل الإعلام، إذاعة وتلفزة، ومقاطع فيديو وأناشيد وغيرها.ويندرج في هذا الجانب على سبيل المثال لا الحصر، حالات الرفع والنصب والجر والجزم في غير مواضعها، والتسكين في مواطن التحريك، وعدم معرفة حالة المثنى والجمع للأسماء في الرفع والنصب والجر، أو عدم معرفة التعامل مع الأسماء والأفعال الخمسة في الحالات الإعرابية المختلفة، فضلا عن القضاء على النطق الصحيح لحروف الذّال والثّاء والظّاء. والتأكيد على عدم الوقوع في مثل هذه الأخطاء، يكون أكثر إلحاحا عند الكتابة للأطفال، أو عند مخاطبتهم مشافهة، أو عبر وسائل الإعلام والوسائط الأخرى، لأكثر من سبب: ـ لأنّ الطفل قد لا يستطيع اكتشاف هذه الأخطاء ـ مثل الكبير ـ، ومن ثمّ فإن الأخطاء تنطبع في ذاكرته ويعتاد عليها، أويلفظها ويرددها بصورة تلقائية، كما سمعها، وغالبا ما ترافقه إلى الكبر، سواء مكتوبة أو منطوقة.ويتجاوز الأمر إلى ما هو أسوأ من ذلك عند الأطفال، ألا وهو المساهمة في تعريض ذائقتهم اللغوية للتخريب والأذى، وتشويه سليقتهم، فالتعوّد على الصحيح الفصيح من مظانّه السليمة، يقود إلى امتلاك سليقة سويّة، وجربوا ذلك عندما يستمع أطفالكم الصغار إلى برامج وأفلام متحركة وأناشيد بالعربية، والعكس صحيح تماما. وعلى مستوى الكتابة فيكفي أن تسألوا أي مدرس أو مدرسة للعربية عن الأخطاء في كتابة التلاميذ لا أقول في الابتدائية وإنما في الإعدادية والثانوية بل والجامعية، ويكفي أن تروا ما يكتب في صفحات التواصل الاجتماعي، هذا إن كتب بالفصحى، إذ أن جلّه بالعامية، أو خليط بين الفصحى والدارجة. الإسهام في زياد الضعف العام في اللغة العربية الذي تعاني منه أجيالنا، لأسباب كثيرة، وفي هذه الحالة فإن الكتب ومجلات الأطفال وأجهزة وبرامج الإعلام الخاصة في الطفل، بدلا من أن تكون حلّا لمشكلة الضعف اللغويّ العام، تصبح جزءا منه أو سببا من أسبابه. المساهمة في عدم إعطاء لغتهم العربية الفصحى المكانة اللائقة في نفوسهم، والتقليل من اعتزازهم بها. فعندما يجد الطفل أن الكبار يستهينون بلغتهم الأم، خصوصا من هم بمثابة التقدير والاحترام لديه، كالمدرسين والكتّاب والإعلاميين والخطباء، ولا يولونها العناية الكافية، أو عندما يكتشف مباشرة أو بعد حين أنهم يخطئون، فقد يقوده ذلك إلى اللامبالاة بها أو قلة تقديسه لها، رغم أن اللغة جزء من الهويّة الثقافية للأمم، ورغم أن اللغة العربية ذات قدسية خاصة، بحكم أنها اللغة التي نزل بها القرآن الكريم.كثير من العلوم والفنون تستلزم قدرة جيدة في فهم اللغة العربية وتذوقها، ودارية في قواعدها نحوا وصرفا وإملاء.. كالتفسير في العلوم الشرعية مثلا، وكذلك الأمر بالنسبة للمشتغلين في الكتابة، وأصحاب الهوايات الأدبية والإعلاميين، سواء كانوا في الصحافة المكتوبة أو المسموعة أو المرئية. وعليه فإننا نفترح الأمور التالية للقضاء على الأخطاء النحوية والإملائية المكتوبة والمنطوقة: إعطاء دورات لهذه الشرائح، في القواعد الرئيسة للنحو والإملاء ومخارج الحروف بطريقة ميسرة ومبسّطة، من حين لآخر، مع التركيز على الممارسة العملية في الكتابة والمحادثة..قيام الأدباء والإعلاميين الذين هم على صلة بالأطفال، بمراجعة كتاباتهم بصورة صارمة، للتأكد من خلّوها من هذه الأخطاء، أو الاستعانة بمن يجيدون العربية عند الشك باحتمال وجود مثل هذه الأخطاء، وإعطاء المذيعين والمذيعات فرصةً لمراجعة ما يُطْلَب منهم قراءتُه، قبل إذاعته أو بثّه بوقت كاف، ليتعرّفوا إلى المقروء، ويضبطوا كلماته بالحركات، ويُحدِّدوا النّبرات الصّوتيّة المناسبة لفقراته، ويستشيروا المراجع اللّغويّ فيما يلتبس عليهم.تخصيص مدققين ومراجعين لغويين في دور النشر، ووسائل الإعلام الخاصّة بالطفل، في حالة عدم وجودهم، وتفعيل دورهم في حال وجودهم. تحفيز المؤسسات للأكثر إجادة للغة العربية، كتابة وقراءة، من الموظفين والعاملين في سلك الأطفال، معنوياً ومادياً، وتخصيص مسابقات لتقييم هذا الجانب.لغتنا أمانة في أعناقنا، وتحمّل هذه الأمانة تكون أولى عند المشتغلين في مجالات ثقافة وإعلام وتربية الطفل، لأن إهمالها جريمة مضاعفة.