15 سبتمبر 2025

تسجيل

خطر الكلمة وفضلها

20 نوفمبر 2012

قال شريك: إني لأسمع الكلمة فيتغير لها لوني، رُبَّ محنةٍ حدثت عَنْ لَحْظَة، وَرب حَرْب جنُيت من لَفْظَة.وكان واصل بن عطاء يقول: إن من أخدع حبائل الشيطان وأغواها لكلمات هذا الأعمى الملحد. لعله يقصد بشار بن بُرد.قال تعالى:"وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً"، إن كلمات مفعمة بالتشجيع مصبوغة بالإصرار والتحدي قد تصنع في النفس ما لا تصنعه الملايين، ولا القصور، وقد تبعث فيها من الأمل ما لا يقدر عليه الأطباء والعقاقير، تدبر قول الحق تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}،وتأمل قوله تعالى: "..فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً"، وقوله تعالى:" وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلا مَّيْسُوراً" وتذكر أن كلما تحويه صحيفة أعمالك هو ما تسجله أنت بأعمالك وأفعالك، وفي الذكر الحكيم: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}فالله حفيظ لا ينسى كل أعمالك، وكل أقوالك، وكل مواقفك، وكل عطاءاتك، وكل منعك، وكل الصراعات التي في ذهنك، فأعمالك كلها مسجلة، قال الله تعالى: {لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ}إن من سحر البيان، ما يمازج الرّوح لطافةً، ويجري مع النفس رقّة. والكلام الرقيق مصايد القلوب، وإن منه لَمَا يستعطف المستشيط غيظًا، والمندمل حقدا، حتى يُطفئ جمرة غيظه، ويَسُل دفائن حقده.وإن منه لَمَا يستميل قلب اللئيم، ويأخذ بسمع الكريم وبصره. وقد جعله الله تعالى بينه وبين خلقه وسيلة نافعة. وشافعا مقبولا؛ قال تبارك وتعالى:"فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"فثمة كلمات رقيقة بها قد يتخلّص المرء من أنشوطة الهلاك، ويتفلّت من حبائل المنيّة، وذلك بحسن التنصّل، ولطيف التّوصّل، ولين الجواب، ورقيق الاستعتاب؛ حتى تعود سيئاته حسنات، وعِيض بالثواب بدلا من العقاب، وحفظ ذلك والاهتمام به أوجب ما يكون على الإنسان حفظًا لعرضه، وهو ألزم له من قوام بدنه.وكلّ شيء كشف لك قناع المعنى الخفي حتى يتأدّى إلى الفهم ويتقبّله العقل، فذلك البيان الذي ذكره الله في كتابه، ومنّ به على عباده؛ فقال تعالى:"الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ"وسئل النبي صلّى الله عليه وسلم: فيم الجمال؟ فقال "في اللسان". يريد البيان.وقال صلّى الله عليه وسلم: "إنّ من البيان لسحرا" وقالت العرب: أنفذ من الرّميّة كلمة فصيحة. وقالوا: البيانُ بصرٌ والعِيّ عمى، كما أنّ العلم بصر والجهل عمى؛ والبيان من نتاج العلم. والعيّ من نتاج الجهل.وقالوا: ليس لمنقوص البيان بهاء. ولو حكّ بيافوخه عنان السماء.ذُكر الكلام في مجلس سليمان بن عبد الملك فذمه أهل المجلس فقال سليمان كلا إن من تكلم فأحسن قدر أن يسكت فيحسن وليس كل من سكت فأحسن قدر أن يتكلم فيحسن.قال بعض الحكماء لابنه يا بُنَيَّ اللسان، أداة يظهر بها البيان، وشاهد يخبر عن الضمير، وحاكم يفصل به الخطاب، وناطق يرد به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، ومعزٍ يرد الأحزان، وواعظ ينهى عن القبيح ومزينٌ يدعو إلى الحسن، وزارع يحرث المودة، وحاصد يذهب بالضغين، ومُلْهٍ يُوقف الأسماع ألا ترى أن الله تعالى رفع درجة اللسان بأن أنطقه بالتوحيد، وليس شيء من الجوارح ينطق به غيره. من أجود ما أحتج به للكلام ما أخبر به أبو تمام قال تذاكرنا الكلام في مجلس سعيد بن عبد العزيز التنوخي وحسنه والصمت ونبله فقال سعيد ليس النجم كالقمر إنك إنما تمدح السكوت بالكلام ولا تمدح الكلام بالسكوت وما أنبأ عن شيء فهو أكبر منه.وفي مفهوم البلاغة عند الهندقال أبو الأشعث: قلت لبهلة الهندي ما البلاغة عند الهند؟ قال بهلة: عندنا في ذلك صحيفة مكتوبة، ولكن لا أحسن ترجمتها لك، ولم أعالج هذه الصناعة فأثق من نفسي بالقيام بخصائصها، وتلخيص لطائف معانيها قال أبو الأشعث فلقيت بتلك الصحيفة التراجمة فإذا فيها:أول البلاغة اجتماع آلة البلاغة. وذلك أن يكون الخطيب رابط الجأش، ساكن الجوارح، قليل اللحظ، متخير اللفظ، لا يكلم سيد الأمة بكلام الأمة ولا الملوك بكلام السوقة. ويكون في قواه فضل التصرف في كل طبقة، ولا يدقق المعاني كلّ التدقيق، ولا ينقح الألفاظ كل التنقيح، ولا يصفها كل التصفية، ولا يهذبها غاية التهذيب، ولا يفعل ذلك حتى يصادف حكيما، أو فيلسوفا عليما، ومن قد تعوّد حذف فضول الكلام، وإسقاط مشتركات الألفاظ، وقد نظر في صناعة المنطق على جهة الصناعة والمبالغة، لا على جهة الاعتراض والتصفح، وعلى وجه الاستطراف والتظرف.قال تعالى لكليمه وأخيه عليهما السلام: "اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى *فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" وفي التعامل مع الوالدين "وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً".هذا وبالله التوفيق