10 سبتمبر 2025

تسجيل

حدسك دليلك

20 أكتوبر 2022

بين العقل والحدس نقف احياناً وبين العاطفة والعقل نتمنى ان لا نُخطئ فيما نقوم به، والحدس هو ملاكُنا الحارس الذي يرافقنا ويحمينا، إنه لا يحب لنا سوى الخير. وهكذا، فحتى نصغي إليه يجب أن نحب الخير لأنفسنا أوّلا وأن نعتني بأنفسنا وكل واحد يعتقد أنه يحب الخير لنفسه مبدئيًا، لكن ما أكثر الناس الذين يُبحرون في مسالك وعرة لا مخرج لها ولا شواطئ آمنة لأنهم لم يُنصتوا إلى حدسهم في الوقت المناسب وحتى عندما تكون أمامهم فرصٌ لتغيير الاتجاه نراهم يتمادون في السير في الاتجاه الذي لا يناسبهم، ولكي نثق في حدسنا علينا أن نكتسب المرونة التي تجعلنا نتكيّف معه في الوقت المناسب وأن نعوّد أنفسنا شيئًا فشيئًا على تقبّل ما يُلهمنا به فلا يكفي أن نصغي فقط إلى الفكرة الحدسية التي تراودنا، بل علينا أن ننصت إليها في عناية وأن نثق في هذا الصوت الخافت، البعيد، المليء بالحكمة. وقد يظن البعض انني بمقدمتي هذه أطالب بالابتعاد عن المنطق والعقلانية في التعاطي مع الأمور الحياتية، لكني استميحك عذراً صديقي القارئ ان تكون لطيفاً في حكمك على سطوري، فالحدس هو معرفة عفوية لا تخضع لأسس منطقية ويعتبر البعض أن الحدس قادر على توجيه الإنسان وأغلب الناس لديهم الحاسة السادسة وهذا ما تقوله "جيرترود شميدلر" أستاذة علم النفس بجامعة نيويورك، فقد استخلصت من دراسات أجرتها أن أغلب الناس لديهم الحاسة السادسة، وعن طريقها تتحقق تخميناتهم أو استبصاراتهم بشكل أو بآخر خلال حياتهم اليومية وليس من الضروري أن يتنبأ الشخص بحادث خطير أو أمر بالغ الأهمية حتى يقال: إنه موهوب الحاسة السادسة بل يكفي أن يدق جرس الهاتف ويخطر على البال أن المتحدث صديق قديم لم يتصل بك منذ أمد طويل، وما أن ترفع السماعة حتى تسمع صوته ويتحقق حدسك. وهناك أسماء عديدة للحدس مثل: إحساس القلب، البصيرة، قدرة التنبؤ، أو الذكاء العاطفي فالحدس هو كلمة لغوية فصحى وإحساس القلب هو تعبير متعارف عليه من حيث إحساس الإنسان تجاه الآخر وهو قدرة فطرية ولدنا بها وكلنا نملكها مثل الغرائز الأخرى عندنا، ولا نستطيع عمل شيء حيال وجودها فهي جزء من وعينا وكل الذي نستطيع عمله حيالها هو تقويتها أو إضعافها، في حين يرى أخصائيو الوظائف اللاشعورية أنّ الحدس ينشأ عفويًا عندما نكون في وضع معيّن ومعقد لا نرى فيه مخرجًا، حيث تنبثق فينا فجأة صورٌ أو أفكار أو مشاعر تتجلى في رؤى مختلفة بخلاف ما كنّا ننتظره أصلاً. وبوضوح أكثر يقول هؤلاء إنّ الحدس يعطينا معلومة محددة يرافقها يقينٌ بأنها المعلومة التي ننتظرها ومن المهم أن نعرف أن ثمة ألوانًا من الحدس، فهذه الألوان قد تحدث في اليقظة أو في أحلامنا أثناء النوم أو في أحلام اليقظة ناهيك عن أنّ الحدس ليس مقتصرًا على فئة معينة من الأشخاص، وإنما يطال جميع الناس بلا استثناء، من الأطفال والكبار، ومن الرجال والنساء، ويضيف هؤلاء الخبراء أنّ القاسم المشترك لألوان الحدس هو أننا لا نملك أي سيطرة عليه، بل يفضَّل أن نُنصت إليه ونوليه اهتمامنا لأنه اليقين المطلق، حتى وإن عجزت حواسنا العقلانية عن تفسيرها. اذاً، لا يمكن ان يأتي الحدس من العدم، شيء ما يقف خلف كل ذاك الإلحاح المفرط،، حينها عليك ان تكون منفتحًا على طبيعتك الحدسية وان تطلب الإشارات والرَّسائل بينما تحرّر الأنماط القديمة لمحاولة التحكُّم في الإجابات وسيتمُّ منحك هدايا من الكون وبمعنى ادق من ( الله جل وعلا ) هذه "المعرفة" الصَّغيرة هي للبقاءِ على المسار الصَّحيح مع كلِّ ما تريده واستمر في الانخراط في اللَّحظة الحالية وكن متقبّلاً لكلِّ ما تُحاول نفسك العليا أن تنقُله إليك فأنت تعرف بالضَّبط ما هو الأفضل بالنِّسبة لك عندما تنفصِل عن العقلية التي تقودها "الأنا" فعندما نكون أمام خيار حاسم نجدنا فجأة نتخذ قرارنا وفقًا لحدسنا. وكثيرًا ما يكون حدسنا الأول هو المُصيب ولكم ان تتذكروا كم من القرارات حتى الصغيرة منها في حياتكم اليومية واجهتموها بعِناد الحدس وكانت مخطئة على ارض الواقع وقد تكتشفون ذلك لاحقاً. عموماً، الحدس هو ليس قدرة خارقة أو أسطورة بل إحساس نشعر به بناءً على معلوماتنا وتجاربنا السابقة ووفقاً لنمط معين، ولكن يجب علينا مراعاة الشروط التي تجعلنا نحس بالحدس الصحيح والتحيزات التي تجعل حدسنا أقل دقة، ولا يجب علينا الخوف من خطأ حدسنا فالصواب يُبنى على الكثير من الأخطاء فمن لا يُخطئ لا يتعلم، وبشكل عام نحن نهمل هذه المعلومة الحدسيّة فنرتكز على معايير عقلانية لأن هناك احتمالاً بأن نخفق. إلّا أن صوت حدسنا مفيد ومهمّ في الآن عينه عندما نشقّ طريقًا في الحياة. وفي الواقع يتعامل الدماغ مع كميّة كبيرة من المعلومات قد لا ندركها حتّى. بمعنى آخر عندما يكون لدينا هاجس ما لا يكون ذلك هباءً فعقلنا يعمل من دون أن يعلمنا ماذا يفعل ثم يكلّمنا ويقدّم لنا التفسيرات، وعندما تواجه قرارا غير جيد، سيقوم عقلك بإعطاء تبرير لتفادي الفشل المحتمل أو الإحراج أو حتى الشعور بالانزعاج، وتميل الطبيعة البشرية إلى المنطقين. وحسبما بحثت قبل كتابتي لهذا المقال فهناك مئة مليون خلية عصبية في الدماغ، وكل فئة من الناقلات العصبية تستخدم لمعالجة المحفزات الخارجية وإرسال رسائل إلى العقل، ويستقبل القلب ايضاً بعض المدخلات ويرسل إشارات يترجمها الدماغ من أجل اتخاذ القرار الصحيح والتصرف الصائب، أي كأنه يقوم بتوجيه اللوم والنقد ومقاومة البيانات التي تلقاها، إذاً جميعاً لدينا حدس ولكن لا نستمع إليه بشكل واع، ولكننا فقط نستمع ونثق فيما يبدو أنه عقلاني في أذهاننا، ومن الضروري أن نعطي لحدسنا المكان الذي يستحقّه. علينا أن نأخذه بعين الاعتبار تمامًا مثلما نأخذ بعين الاعتبار المعيار الذي نواجه فيه الحقيقة وهكذا نحظى بتوازن يسمح لنا بالمضيّ قدمًا في الحياة. وقد لفت انتباهي ما كتبه "باولو كويلو" في كتابه الخيميائي والذي قرأته كثيرا وكل مرة اكتشف فيه جملةً او عبارة تعني الكثير وكأني اقرأه لأول مرة، فقد كتب في سطوره (حدسك لا يُخطئ، الغرائزُ الداخلية ومشاعرُ عدم الارتياح ما وُجدَت عبثاً هذه طريقةُ جسدِك لإخبارك بأنّ هناك خطأ ما لا تُجازف بتجاهله). وشخصياً ومن خلال التجارب يمكن ان اقول: إنه عندما يصمت العقل فالروح تتكلم معك، ولا شك أن (الحدس) هبة من الله عز وجل إذا أحسن استخدامها، فلله الحمد والشكر على ما أنعم به على عباده. أخيراً: يُقال إن الأصل في الحدس هو الصواب، وخداعه هو الاستثناء !! فماذا تقول انت من خلال خبراتك يا صديقي ؟