19 سبتمبر 2025
تسجيليُحكى أن قلماً لم يرتض الظلم، فأسال من حبره بحراً، هام بحرية في ترجمة آلام لم تصغ لها الكثير من الآذان، فأصبح بمثابة محراب يلجأ إليه المظلوم فقُسم ظهره إلى نصفين، نصف من هموم من يعاني والنصف الآخر بقايا معاناته، فصبر ثم صبر ثم صبر على أمل أن يمسح دمعاً، ويشفي جرحاً ويأخذ حقاً مسلوباً لم يعلم ذلك القلم ولعله كان يدرك قليلاً أن صاحب الحق غالباً ما يُطعن بين أحشاء قلبه، وتُكبل يداه لأنه عار عليه أن ينطق بالحق في زمن الشياطين، زمن لم تُترك فيه مسافة للعدالة، زمن يعيش به أناس يودون لو أن يجعلوا صاحب القلم معصوب العينين لكي لا يعيش لحظات الحياة، فيظل محيطه ممتلئا بالسواد، وأذنه صماء ولسانه عاجزا عن الحديث، مختصراً حياته بــ "لا أرى لا أسمع لا أتكلم" يُحكى أن هذا القلم ذات اليوم أغمض عينيه ليس استسلاماً للنوم إنما تفكراً في كيفية سرد آلام مكبوتة باتت هي حديث الساعة فرغب بأن يسردها في صورة مسترسلة، فلبث يدوّن جراحه وخيباته من البشر في دفتره الذي أحرق أطرافه الزمن، ذلك القلم الذي كسره أحدهم، ذلك القلم الذي اكتشف أن حرية التعبير ليست إلا حبراً على ورق، ذلك القلم الذي تم تجفيف حبره لمجرد أنه نطق بكلمة حق وسط زمن جائر!! ذلك القلم الذي تناسى جراحاته من أجل جراحات غيره، وقوبل جهاده بسيوف قاتلة أُخضع فيها المظلوم للوم والغضب والعقاب، ورفع الظالم بها رأسه لما وجده من تصفيق حار ودعم وحماية خاصة.. وبهذا أصبحت مفاهيمنا مقلوبة رأساً على عقب! فلا كلمة صواب إلا وقد لاقت من يحاربها، وكم من فاسد ينطق بالسوء ويعمل به وأسياده يلقون عليه نظرات الإعجاب والرضا، "قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى" آية غالباً ما تتدارك خاطر ذلك القلم وصاحبه عندما تتقارع قيود الاعتقال الفكري عند النطق بالحق تمهيداً لوضعها بين أيديهم، ولا يُخيفهم جور جائر ولا حقد حاقد؛ لأنهم على الله وحده متوكلون ولا يخافون في الله لومة لائم ومع ذلك اكتب لا تكتب من تقصد؟ ومن ترمي في كلامك؟؟ وجميع الطرق تؤدي إلى دحض حرية التعبير إلى أن تهاوت سبعين ألف خريف فاستشهدت في سبيل الحق فعذراً أيها القلم. نقطة فاصلة "فعل الكتابة كفعل الحب، كلاهما قدر، كلاهما سفر.. كلاهما رحلة بلا عودة نحو المجهول". من كتاب "صرّح مصدر غير مسؤول" للكاتب السعودي / ثامر عدنان شاكر.