18 سبتمبر 2025

تسجيل

سوريا ترفض قطر

20 أكتوبر 2011

ثلاثة سيناريوهات محتملة في سوريا تعكسها قراءة التطورات الراهنة أمهل الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي عقد يوم الاثنين الماضي بمقر الجامعة العربية بالقاهرة الحكومة السورية خمسة عشر يوما لعقد حوار وطني بمقر الجامعة لحل الأزمة السياسية العالقة في البلاد. كما قرر الاجتماع تشكيل لجنة برئاسة قطر لمراقبة الوضع. وأشار معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية الذي ترأس الاجتماع الوزاري قائلا: "إن عقد حوار وطني خلال خمسة عشر يوما يعد من أهم القرارات التي اتخذت خلال اليوم". وستكون الخمسة عشر يوما المقبلة مهلة حاسمة لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد والفرصة الأخيرة لإيجاد حل سلمي للازمة وللرئيس الأسد للاستماع لما يريده الشعب السوري من حكومته. ودعا حضرة صاحب السمو الأمير المفدى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في مقابلة مع قناة الجزيرة الأسبوع الماضي إلى وقف عمليات القتل في سوريا قائلا: "إن هناك تحركا عربيا إزاء ما يحدث في سوريا"، وأضاف سموه: "طبعا الدول العربية وجامعة الدول العربية متحركة، لكن طبعا أهم شيء المطلوب الآن بشأن وضع سوريا هو غيقاف القتل وإيجاد مجال للناس لتناقش أمورها بين بعضها البعض وتبتعد عن عملية القتل شبه اليومية". هذا وقد لقي ثلاثة آلاف سوري حتفهم منذ اندلاع الاحتجاجات في مارس الماضي وفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة مؤخرا. وأوضحت نافى بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، أن 187 طفلا على أقل تقدير قد لقوا حتفهم ضمن هؤلاء. لذلك تعتبر أعداد الأطفال ضحايا القتل والعنف في سوريا خلال السبعة أشهر الماضية من الاحتجاجات غير مسبوقة. ولم تشهد دول أخرى -عدا ليبيا- التي لا تتوفر عنها احصاءات في هذا الصدد والتي اجتاحتها رياح الربيع العربي، مثل هذا الرقم المهول من الأطفال الضحايا. فكم من الأطفال السوريين يجب أن يسقطوا قتلى كي يتخذ الأسد إجراء ملموسا لوقف نزيف الدماء في البلاد؟ لقد جاءه الفتح لآن من قبل الجامعة العربية للجلوس والتفاوض مع أطراف المعارضة لإيقاف قتل أرواح الأبرياء. علماً أن الرئيس الأسد أجرى محاولات عديدة سابقة لتطبيق إصلاحات سياسية في البلاد، كما أصدر مؤخرا قرارا بتشكيل لجنة وطنية لصياغة دستور جديد خلال أربعة أشهر. إلا أن الدستور الذي يصنعه النظام قابل للتغيير أيضا بواسطة النظام نفسه حيث جرى تغييرا للدستور عندما أتى الأسد للسلطة. ولهذه الأسباب لا يثق الشعب السوري في وعود الأسد الإصلاحية والمتعلقة بالدستور الجديد. وبالرغم من قرار الجامعة العربية بمنح سوريا فرصة لوقف نزيف الدم وبدء حوار حقيقي مع المعارضة، إلا أن سوريا تبدو ممتعضة من هذا القرار، حيث قال يوسف أحمد سفير سوريا لدى الجامعة العربية في تصريح له: "إن أي حوار وطني يجب أن يجري داخل سوريا فقط". كما أبدى قلقه حيال الدور الذي تلعبه قطر فيما يتعلق بمراقبة الأوضاع في بلاده ، معلنا أن توقيت الاجتماع "غريب ومثير للريبة". وقد اتهمت سوريا علناً قطر بانحيازها ضد الأسد وامتلاكها لأجندة خاصة في البلاد. غير أن معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني أشار إلى أن الاجتماع لم ينعقد وفقا لأية أجندة خاصة بل لإبداء القلق تجاه ما يجري في سوريا والشعب السوري، مضيفا "يرغب أشقاؤكم في مساعدتكم". وإن كان لقطر أية أجندة خفية في هذا الصدد، ما كان لها أن تنتظر طيلة هذه المدة لكي تتخذ إجراء حيال سوريا وكان بمقدورها أن تتحرك منذ بدء الاحتجاجات في مارس الماضي، إلا أن سياسة قطر الخارجية واضحة دوما منذ البداية حيث إنها تتفق مع سياسات الجامعة العربية أو المؤسسات الدولية على شاكلة ما حدث في ليبيا. وقد قال صاحب السمو الأمير في خطابه مؤخرا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: "من ناحية كانت لنا دائما سياسة واضحة في قواعد التعامل العربي والإقليمي والدولي، تقوم على قواعد التفاهم والتصالح والتوافق بين الشعوب والدول، وفي الوقت ذاته لم نكن نحن أو غيرنا قادرين على أن نغلق السمع والبصر إزاء نداءات جريحة تلتمس نجدة القريبين والبعيدين للمساعدة ضد قهر استبد وطغى". وهنا لا بد من الاشاره الى أن معدلات القتل شبه اليومي وحملات المداهمة والقمع ضد المحتجين ومعدلات القتل العالية بين الأطفال هى ما دعت قطر للتحرك والمساهمة في إيجاد حل لوقف نزيف الدم وإنهاء العنف. ونحن نكرر نداءنا مرة أخرى للمجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بعدم الالتفات لتهديدات الأسد واتخاذ مواقف قوية وفورية قبل فوات الأوان، خاصة بعد أن منحت الجامعة العربية حكومة الأسد فرصة للتفاوض للتوصل إلى حل يؤمن إجراء الإصلاحات المطلوبة في البلاد. وبعد قراءتنا للأوضاع والتطورات الراهنة، نرى أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة الوقوع فيما يتعلق بالأوضاع في سوريا: الأول: أن تنخرط حكومة الأسد في حوار وطني مباشر مع قادة المعارضة تحت إشراف الجامعة العربية. وعندها لا بد أن تتخذ الحكومة السورية إجراءات جادة وتفي بوعدها بإجراء الإصلاحات المطلوبة في البلاد بهدف وقف نزيف الدم والعنف. غير أن هذا الأمر مشكوك في حدوثه، حيث كان بمقدور حكومة الأسد أن تفعل ذلك من قبل إن كانت جادة في تطبيق تلك الإصلاحات. واليوم مضت عشر سنوات على وصول الأسد للسلطة دون أن تطبق أية إصلاحات. إن الأمل بعيد في أن تطبق تلك الإصلاحات في الوقت القريب بالنظر لما تقوم به الحكومة الحالية من تصرفات وأفعال. الثاني: وقوع حرب أهلية شاملة في سوريا كالتي حذرت منها الأمم المتحدة من قبل. وسوف يستمر الاقتتال لزمن طويل بين مختلف الجماعات في البلاد، الشيء الذي تريده الحكومة لتقسيم البلاد وتقنين شرعية حكمها للبلاد كما حدث في كل من السودان، الصومال، ولبنان. الثالث: استمرار الاحتجاجات السلمية تحت مظلة المجلس الوطني السوري. وربما تنشق بعض المجموعات عن الجيش ويقدم بعض السفراء على النأي بأنفسهم عن الحكومة. وسيؤدي ذلك إلى توليد المزيد من القمع والعنف. كما سيؤدي تدهور الأوضاع إلى إرغام المجتمع الدولي على التدخل وفرض عقوبات قاسية على سوريا مثل فرض منطقة للحظر الجوي كما حصل في ليبيا والاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل رسمي وشرعي للشعب السوري. وعليه فإن مهلة الخمسة عشر يوما قد لا تمثل شيئا لحكومة الأسد تعني المجتمع الدولي قبيل البدء في اتخاذ موقف متشدد حيال سوريا، لأن الأسد إن كان يرغب فى إجراء إصلاحات، لأقدم على ذلك منذ توليه السلطة قبل عشر سنوات مضت. في الوقت نفسه لا نملك إلا انتظار الأيام القليلة المتبقية من المهلة لنرى كيف تسير الأمور. إلا أننا نشعر أن الأوضاع ستستمر على ما هي عليه حتى يتم حدوث تغيير حقيقي وملموس في النظام الحاكم. لقد قالها صاحب السمو الأمير في خطابه الذي ألقاه لدى زيارته خلال الأيام الماضية إلى مقدونيا إن وطننا العربي "ينشد هذه الأيام لشمس الحرية وهو على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخه"، معربا سموه عن أمله في أن تنقُلَهُ شمس الحرية إلى آفاق أرحب في الإبداع والعمل والإنتاج والحُكم الرشيد. رئيس تحرير جريدة البننسولا [email protected]