12 سبتمبر 2025
تسجيلنلتقي في مناحي الحياة مع طيفٍ من الشخصيات المتباينة، فنجد منهم الإيجابي، ذلك الذي يثني على الأشياء الجيدة، وينتقد الأشياء السيئة إنتقاد المحب، أو ما يسمى بالنقد البنّاء، ومنهم من يلزم الصمت، فلا تدري ما يدور في رأسه ولا ما يحيك في صدره، أهو يكتم رأياً أم يجهل ما حوله، ونجد منهم السلبي، ذلك المنتقد دائمًا لكل شيء، فعيناه لا ترى إلا الأخطاء، ويفسر كل شيء على أنه مؤامرة. وقد صادفت تلك الأنماط الثلاثة في أماكن العمل المتعددة التي عملت بها، فلاحظت أن الصنفَ الأول هو في الغالب الأكثرَ إنتاجيةً، ويليه في ذلك الصنفُ الثاني، وكانت الشخصيةُ السلبية المنتقدة دائمًا هي الأقل إنتاجية، وأذكر القارئ بأنها ملاحظة وليست نتيجة مبنية على بحث علمي، لذا لن أتفاجأ إذا ما اختلف معي البعض عليها. يقال إنه كلما زاد الوعي زاد الصمت وقل الانتقاد، فإن سلمنا بصحة تلك المقولة، فإن ذلك في اعتقادي يرجع إلى أن الواعي بمجريات الأمور يتوقع نتائجها فلا هو يتفاجأ بالأحداث ولا تخفى عليه مسبباتها ولاغاياتها، فوعي افراد الأسرة على سبيل المثال بإمكانيات الأب ينعكس على تماسكها، ويبرر ذلك الوعي تصرفات الأب وقراراته، أما إن جهلوا ظروفه فلن يجدوا مبرراً لعدم تلبية طلباتهم، وقد جاء في أمثال العرب قديمًا مقولة: « المرأة والأجير والطفل الصغير يحسبون أن أباهم على كل شيء قدير». وقياساً على ذلك فإن زيادة وعي أفراد المجتمع بالشأن العام على المستوى الوطني، أوالإقليمي، أو حتى على المستوى الدولي يؤدي كذلك إلى توقع الكثير من التحديات قبل وقوعها، ويفسر بعض القرارات التي تتخذها مؤسسات الدولة على أياٍ من تلك المستويات، لأن الجهل بمعطيات الأمور يفسح المجال للإشاعات التي تقودنا كأفراد إلى السلبية دون أن نشعر، وعندها يكون الصمت أولى من الكلام، وهذه ليست دعوة للسكوت بل دعوة للاهتمام بالشأن العام وتحليل معطياته، فهناك فرق شاسع بين الصمت والسكوت، فالصمت يتولد من الأدب والحكمة والوعي، أما السكوت فيتولد من الجهل أو الخوف. وهي دعوة أيضاً للمؤسسات والهيئات والدوائر الحكومية وشبه الحكومية لتكريس مبدأ الشفافية وتشجيع المشاركة المجتمعية في صنع القرار، أي إيجاد الآليات المناسبة لتيسير مشاركة كل فرد له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتلك الجهات، فإن تم ذلك على الوجه المطلوب، فإن من شأنه خلق فضاء إيجابي قادر على مواجهة التحديات، وتنمية مهارة الإصلاح والرقابة الذاتية، ورفع منسوب الرضا والإيجابية في المجتمع وبالتالي انحسار السلبية، فضلاً عن تعزيز الولاء وتكريس الانتماء. خلاصة القول: إن لم يسعنا الصمت في موقفٍ ما فلنكن موضوعيين في طرحنا ومتزنين في تعابيرنا فإن ذلك من الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت».