11 سبتمبر 2025

تسجيل

ثقافة الصحة والسلامة والأمان في منازلنا

20 سبتمبر 2020

لقد نشأت وترعرعت في مدينة خليفة الشمالية حيث كنت اعتبرها من أفضل المدن تخطيطاً وتنظيماً خلال حقبة سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وأذكر أنه كان هناك جامع رئيسي كبير كنا نسميه "مسجد لكبسه" نصلي فيه صلاة الجمعة ونحضر دروس تحفيظ القرآن الكريم، وكان في قبلة هذا المسجد يوجد باب نطلق عليه تسمية "باب لمطوع"، وطالما أعتقدت في صغري بأن هذا الباب للأمام فقط، يستخدمه حتى لا يتخطى رقاب المصلين وهو متوجه للمنبر لإلقاء خطبة صلاة الجمعة، وفي حقيقة الأمر لم أدرك سبب وجود هذه الأبواب إلا بعد أعوام كثيرة عندما بدأت في دراسة مفهوم الصحة والسلامة بشكل عام، فلقد كان تصميم المسجد مراعياً لاحتياطات السلامة والأمان للمصلين عند حدوث طارئ يستدعي الإخلاء، الأمر الذي لم نكن في تلك الفترة ندركه. وللأسف فإني اعتقد بأن ثقافة المجتمع قاصرة أو ضعيفة حول مفهوم الصحة والسلامة والأمان في المنازل. إن مفهوم الصحة والسلامة بشكل عام يدور حول الإدارة الصحيحة لتجنب المخاطر الضارة والتي يمكن أن تؤدي إلى الخطر الجسدي أو النفسي أو المادي وذلك من أجل المحافظة على الأرواح والممتلكات لتحقيق الرفاه والرخاء لأفراد المجتمع، وذلك من خلال أخذ الاحتياطات والإجراءات والتدابير، وتشريع وتنظيم القوانين اللازمة لمنع أو تقليل المخاطر المحتملة في البيئة التي يعيش فيها الإنسان. ولتوضيح مفهوم السلامة والصحة دعونا نعطي بعض السيناريوهات الوارد حدوثها في منازلنا، فمثلا هناك دائماً خطر لحدوث حريق في المطبخ بالمنزل، فهل تم تجهيز المطابخ بأجهزة إنذار الحريق وكاشفات الدخان والحرارة، وهل توجد طفاية حريق أو بطانية إخماد النيران، وهل هناك كشف دوري للتأكد من صلاحية هذه الأدوات والأجهزة. ومثال آخر يتعلق بمدخل المنزل حيث إننا جميعا نحرص على اظهاره بشكل جميل ورائع قدر الإمكان، فنهتم كثيراً باستخدام أفضل مواد البناء والديكور للحوائط والأرضيات، ولكن هل جميعنا راعى تصميم الأرضيات بشكل يمنع أو يقلل من خطر الانزلاق أو السقوط خصوصا عندما تكون الأرضيات من الجرانيت أو البورسلان المصقول ؟. والآن عزيزي القارئ هل تعلم بأنه في بريطانيا هناك حوالي 6 آلاف حالة وفاة بسبب الحوادث المنزلية وخصوصا حوادث الانزلاق والسقوط، وقدرت الجمعية الملكية للوقاية من الحوادث خسائر حوادث المنازل في المملكة المتحدة بحوالي 45.63 مليار جنيه إسترليني سنويا. أما في الولايات المتحدة فقد أظهرت إحصائيات الحرائق عام 2018 بأن هناك أكثر من 363 ألف حريق يقع في المنازل الأمريكية تفاوتت آثارها بين أضرار صحية بسبب الدخان الخفيف إلى الدمار الشامل للممتلكات، كما أدت هذه الحرائق إلى وفاة أكثر من 3 آلاف شخص. وفي إحصائية أخرى نشرها المعهد الوطني للصحة العامة بالولايات المتحدة، احتلت حمامات السباحة المنزلية المرتبة الأولى في قائمة مسببات وفاة الأطفال من عمر سنة إلى 4 سنوات في الحوادث المنزلية، ولعل هذه الإحصائيات هي غيض من فيض مما يسببه الجهل بأبسط أساسيات الإدارة السليمة للأمن والصحة والسلامة في منازلنا. في رأيي أن نشر ثقافة الصحة والأمن والسلامة في المنازل هي مسؤولية مجتمعية يتشارك فيها أفراد المجتمع والمؤسسات الحكومية المعنية بهذا الأمر على حد سواء، فيجب أن توضع لوائح وتشريعات للسلامة تضم اشتراطات فنية شاملة للمنازل السكنية تغطي جميع مكامن الخطر المحتملة بداية من أنظمة الإنذار بالحرائق إلى أبسط الأمور مثل نوعية مواصفات وتصميم المواد المستخدمة لأرضيات السلالم. كما يحبذ أن تكون هناك رقابة وتفتيش دوري للتأكد من التزام الجميع بالشروط والمتطلبات الفنية. ولا نغفل هنا عن دور الإعلام المحوري والأساسي لتثقيف المجتمع وزيادة وعيه وإدراكه بأهمية ثقافة الصحة والسلامة والأمان، فنحن نرى مشاهير منصات التواصل الاجتماعي يتكالبون على نشر الإعلانات لزيادة ثرواتهم التي جاءت من خلال متابعيهم من أفراد المجتمع، فلماذا لا يقومون بدورهم المجتمعي ونشر ثقافة معينة تنفع المجتمع ويكونون مساهمين فاعلين في التنمية المجتمعية والثقافية.