26 سبتمبر 2025
تسجيلهكذا يمرّ العيد على أهل الشام حزينا كئيبا، يعصر بالألم قلوبهم، ويغمر بالأسى نفوسهم.. فبينما الأصل فيه أن يكون موسما للفرح والسرور، والسعادة والحبور، إذا به يصبح مناسبة لتقليب المواجع، واستدرار الدمع الحري من المآقي، وتجرع الغصص.. والأسباب غير خافية. فعلى المستوى الميداني لم يعرف النظام السوري لرمضان أو عيد الفطر اللذين مرّا بنا للتو حرمة، وواصل قصفه للأحياء الآمنة ومساكن المدنيين في حلب ودمشق وحمص ودرعا وإدلب ودير الزور..، لتنهار على من فيها وتحترق المباني بساكنيها، واستمر في مجازره البشعة، دون رادع ليستيقظ الأهالي على رائحة الموت من كل حدب وصوب، وهم يفقدون أعز أحبابهم من آباء وأبناء وأرحام وجيران. ونتيجة لذلك تتفاقم الأوضاع الإنسانية في الداخل السوري، ويتواصل مسلسل نزوح المدنيين داخل البلاد إلى مناطق يرجون أن تكون أقل خطرا، وهي ليست كذلك غالبا، أو لجوئهم إلى دول الجوار وغير الجوار، يهيمون على وجوههم في الأرض طلبا للسلامة والنجاة، وفرارا من القتل الذي يرونه يطال كل من هم حولهم بسبب قصف الطائرات والراجمات والدبابات والأسلحة الثقيلة، وانعدام الأمن والأمان الذي يعد المطلب الإنساني الأول لبني البشر. وبموازاة ذلك ثمة نقص كبير في المواد الأساسية كالخبز والغاز المنزلي والوقود في مدن كبرى كحلب وغيرها، وللتذكير فقد حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" من وقوع مجاعة بسوريا، وكشف أحدث تقرير لـ "الفاو" وبرنامج الأغذية العالمي حول الأوضاع الإنسانية في سوريا عن حاجة 3 ملايين مواطن إلى مساعدات غذائية وزراعية وحيوانية عاجلة، منوها بأن ۱٫٥ مليون من بين هؤلاء المواطنين بحاجة عاجلة وفورية للمساعدات الغذائية على مدى من 3 إلى 6 أشهر مقبلة. وفي متواليات الآلام التي نغّصت على السوريين فرحتهم بالعيد الأسرى والمعتقلون والمفقودون وهم بسوريا يعدّون بعشرات الآلاف على أقل تقدير، بسبب ظروف احتجاز غير إنسانية وتهديد بالموت تحت التعذيب، أو بالقتل.. يتذكر من هم خلف القضبان أهلهم وربعهم وقد حرموا منهم قسرا في موسم التراحم والتواصل، ويتذكر ذوو المعتقلين آباء وأمهات وزوجات وأبناء داخل أو خارج البلاد أحبابهم الذين يستبد بهم الحنين إليهم، والقلق على مصيرهم دون أن يكون للطرفين سوى الصبر والتسليم لله على قضائه وقدره حتى تنكشف الغمّة. أما في الخارج فمئات الآلاف من اللاجئين ذرفت دموعهم كمدا على بلد اضطروا أن يعيِّدوا بعيدا عن مرابعه الجميلة، وعمن ألفوا أن يفرحوا معهم وبهم ومعهم من الأقارب والأرحام، تتشتت العائلات بين الدول والمخيمات، يعاني الكثير منهم ظروفا إنسانية ومعيشية صعبة، كانعدام الأمن والسلامة، والتعرض للمضايقات وخطر الخطف أحيانا كما في لبنان، وعدم توفر مكان الإقامة المناسب كمخيم الزعتري بالأردن، والخشية من انتشار الأمراض والأوبئة كما نوهت لذلك منظمات إنسانية دولية، ومن الفقر والعوز ونقص الخدمات الأساسية والرعاية الصحية الأولية. ولأن المفترض بالمسلمين أن يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، فإن السوريين بهذه المناسبة يجددون عتابهم للأنظمة المتعاطفة معهم، وللشعوب العربية الإسلامية الذين هم جزء منها، فبعض الأنظمة تحدثت عن عزمها تقديم الدعم لهم ولقضيتهم العادلة، ولكن هذا لم يتحقق، وبقي الدعم في الإطار السياسي والإعلامي والدبلوماسي في أحسن الأحوال، أما الشعوب فإن واجب النصرة مازال يعتريه الكثير من القصور والتقصير، رغم ما قاموا به وقدموه مشكورين. كان يمكن للعيد أن يكون مناسبة لنصرة الشعب السوري ودعمه، بدءا بتسيير قوافل الإغاثة وكسوة وألعاب العيد للداخل السوري خصوصا وأن الدخول صار ميسورا من جهة الحدود التركية وصولا إلى حلب، وكذلك الحال بالنسبة للاجئين في تركيا والأردن ولبنان والعراق وذلك للتسرية عن نفوسهم ورسم البسمة على وجوههم ووجوه أطفالهم، وهنا لا بد من التنويه بجهود بعض الجمعيات الخيرية القطرية والخليجية كجمعية قطر الخيرية التي أوفدت مسؤولين فيها لهذا الغرض. ومرورا بإقامة فعاليات تضامنية ومنها المظاهرات المنددة بنظام الأسد وجرائمه والمطالبة بطرد سفرائه وإقامة مهرجانات خاصة بالعيد للأطفال اللاجئين، وإطلاق حملات لكفالة أيتامهم وأسرهم المنكوبة. لذا عذرا يا عيد إن غابت الابتسامة عن وجوهنا ووجوه أبنائنا في سوريا، لأن الجراح لا تزال تنزف، لكن الأمل بالله أن نستعيدها قريبا، حينما يزول الظلم، وتسترد الكرامة والحرية المسلوبتين لشعب عانى القهر والاضطهاد أكثر من أربعة عقود. هامش أخير.. واستبشارا وتفاؤلا بعيد قادم ينتصر فيه الحق على الباطل، ويشدو فيه الأطفال بأهازيج الحب والأمن والسلام..إليكم ختام قصيدة لي بعنوان عيد الشآم: ترى كيف أنتِ بـلادي؟ أنادي بملْءِ الحناجـر تجيبُ الشــآمُ: على البغي دوماً تدورُ الدوائـرْ وعما قريـبٍ ستسطعُ شمسـي تنيـرُ الحواضرْ لِــتُعلِنَ موت المآسي وميعادّ عيد البشـــائرْ.