19 سبتمبر 2025

تسجيل

عظم الله أجرك يا فلسطين

20 يوليو 2020

من تفتق وعيه على مجسم لـ"بن غوريون" رئيس وزراء إسرائيل الأول في تلك الحقبة، مشنوقاً بحبل الإعدام ومن خلفه خريطة فلسطين الحبيبة، يصعب عليه تصديق ما يجري، من تسابق محموم لإقامة علاقات مع إسرائيل، وتقديم تنازلات دون مقابل لترضى عن أوضاعنا. كان ذلك في مدرستنا الابتدائية في الريان القديم، بمحاذاة المرسم يقع هذا المجسم الذي يمر عليه الطلبة يومياً، بعد الانتهاء من كلمة الصباح التي كانت تُعد بأهمية حضور الدروس وربما أكثر، حيث يستمر الطابور ويأخذ وقتا كافيا، وتكون المايكروفونات قد نقلت كل حيثياته وتفاصيله إلى جميع أرجاء المنطقة المحيطة بالمدرسة، ثم يأتي دور التفتيش على اليدين ونظافتهما والأظافر وتقليمهما، فيبدأ مربي كل فصل بالمرور على طلبته، كاستعراض حرس الشرف يراقب وقوفهم، وانتظامهم ونظافة أيديهم، ويتوقف عند المقصر أو المتكاسل منبها ومحذرا بعدم قبوله في الصف إذا تكرر منه ذلك مستقبلا. ثم يبدأ بعد انصراف الطلبة إلى صفوفهم اليوم الدراسي بالحصة الأولى وكان ست حصص يوميا ما عدا يوم الخميس، حيث كان خمس حصص فقط. لم يكن نظاماً تعليمياً فقط، بل نظاماً سلوكياً كذلك، المدرس كانت له هيبة الأب أو تزيد، بينما تأثير اليوم الدراسي يستمر طيلة اليوم، كنا نعيش وعياً مختلفاً، فلسطين كانت بؤرة الوعي الشعبي في المجتمع، نتسابق كطلبة للتبرع بما نملك لدعم صمودها، نحلم باليوم الذي ستحرر فيه من نير الاحتلال الصهيوني. من عايش تلك الفترة يعيش اليوم في اغتراب عن ذاته التي كان يحملها يوماً ما، أين فلسطين اليوم من وعينا؟ أين العرب؟ أين العروبة؟ بل أين الوطن العربي الكبير؟. ليست ذاكرة تقديس، لكنها ذاكرة إنسان ينمو داخل وطنه وأمته، لم نعد ننمو إلا عمراً، بينما الذاكرة تحولت إلى ذكرى، والوصل تحول إلى تراشق والأخوة أصبحت عداوة، والوطن العربي الكبير تحول إلى مقبرة لأبنائه بعد أن كان مقبرة للغزاة.