12 سبتمبر 2025

تسجيل

سقوط آخر للنخب العربية في امتحان الانقلابات

20 يوليو 2016

ليلة وقوعه المباغت بتركيا أنجحوا الانقلاب منذ أن بدأ الحديث عنه.. وأسقَطوا على الفور الرئيس التركي "أردوغان" في وسائل إعلامهم ومواقع التواصل التي يستخدمونها، وبحّت حناجرهم وهم يجتهدون في التحليلات والتوقعات، مخرجين كل ضغائنهم وشماتتهم، وفي الكشف عن أدق تفاصيل المعلومات "ترتيب لجوء أردوغان لألمانيا..نموذجا"، وسارعوا لتوزيع الحلويات في نواديهم منذ سماعهم بالخبر. ولما صحوا في اليوم التالي على حقيقة انتصار الديمقراطية على الانقلابيين، وتوحد الشعب التركي عن بكرة أبيه ضدهم، أصبح كل ما تم "تمثيلية" محبوكة من تدبير "أردوغان" وحزب "العدالة والتنمية" الحاكم وصار كل من لا يؤمن بذلك "أبلها وساذجا"، بدلا من أن يتواروا خجلا، أو يعتذروا عن أكاذيبهم ومواقفهم الخاطئة المخزية.هذه نماذج مما صدر عن نخب عربية تصف نفسها بالليبرالية والحداثة والعصرنة في أحاديثها وكتاباتها وتحليلاتها، وما صدر في وسائل إعلام تدور في فلك أنظمة انقلابية عربية، أو تتبع لمشاريع طائفية وفئوية في المنطقة.وواضح أن هذه الموقف تتكرر كنسخة طبق الأصل عما تم في مصر بعد انقلاب العسكر على الرئيس الشرعي المنتخب، فكثير من النخب السياسية والدينية والثقافية العربية كما هو معروف اصطفت بكل صفاقة إلى جانب العسكر، لإجهاض عملية ديمقراطية وليدة، كما انحاز إعلاميون لشرعنة الانقلاب.الفرق أن انقلاب العسكر نجح في مصر ولم ينجح في تركيا، وكان السبب المؤثر في الأخيرة هو الرفض الشعبي الكبير واصطفاف الجميع معا: النظام الحاكم (المنتخب) في المعارضة من اليساريين والقوميين والعلمانيين والأقليات القومية في لحظة تاريخية فريدة ضد حكم العسكر.وكان يتوقع من هذه النخب وهذه الوسائل الإعلامية قليلا من الحياء وشرف الخصومة والصدق واحترام عقول الناس، وتعلم شيء من المنطق، ودروسا في أدب الخلاف السياسي من المعارضة التركية. إن نجاح الشعب التركي وأحزابه في مواجهة الانقلاب، وصيانة تجربتهم الديمقراطية، والدفاع عنها زاد من حرج هذه النخب أمام شعوب الأمة، فهو ذكّر بمواقفها السابقة، وكشف أنهم يتحملون جزءا من شرعنة الانقلابات، وعودة العسكر مرة أخرى، وتجميل الصورة القبيحة لهذه العودة، كما جاء ليؤكد أن هذه الشعوب ستسعى لتعرية هذه النخب، وستتجاوز مواقفها اللاأخلاقية.والأهم من ذلك أن ما حدث في تركيا منح الأمل والقوة للشعوب وكل الشرفاء في منظوماتها بإمكانية الانتصار ـ إن عاجلا أم آجلا ـ على البسطار العسكري، وعلى من يريدون تكريس حكم البلاد بالقوة، وإعادة عقارب الزمن نحو الخلف، وأن الربيع العربي حتى لو تأخر قطف ثماره فإن أزهاره لن تموت. وبالوقت نفسه إمكانية تجاوز النخب إن بقيت على مواقفها ولم تبرح نفس مربعها، طالما أنها تتصادم مع رغبات الشعوب.في اللحظات التاريخية المفصلية الفارقة في حياة الأمم.. وبغضّ النظر على تطورات الأمور التي جرت وتجري على الأرض في تركيا ومآلاتها.. أو الاختلاف والاتفاق حول الأشخاص وممارساتهم السياسية..فإن ما يهم هو الانحياز للمبادئ الأخلاقية، والمواقف المبدئية التي تسجل لله وللتاريخ.وهنا كنا نفترض من بعض النخب العربية الانحياز الديمقراطية والخيارات الحرة للشعوب، ضد من الخيارات الأخرى التي تأتي بواسطة الانقلابات، وعلى ظهور الدبابات، أو فرض الخيارات على الشعوب بالحديد والنار والقوة الغاشمة، بعيدا عن قناعاتهم المسبقة أو أهوائهم وتخندقاتهم الطائفية، ومصالحهم الفئوية والحزبية الضيقة.لقد نجح المعارضة التركية ونجح الإعلام التركي في امتحان محاولة الانقلاب التركية، في حين سقطت للأسف كثير من النخب العربية والعديد من قنوات الإعلام العربي في التعاطي معه، رغم أنه يفترض بأن تكون مهمتها التنوير، أو التعامل بحيادية ونزاهة، وبدون أي انحياز على الأقل.