28 أكتوبر 2025
تسجيلالتحرك الإنساني البطيء لا يوازي حجم الكارثة المحدقة بالصومال "لقد فقدتُ أربعة من ستة أطفال بسبب الجوع، شعرتُ بالعجز، فليس هناك ما هو أسوأ في العالم من مشاهدة ابنك يموت أمام عينيك لأنك لا تستطيع أن تطعمه". هذه الفقرة المؤثرة ليست جزءا من قصة نسجها خيال كاتب، أو جرت فصولها في زمن غابر، أو وقعت أحداثها على أرض يفصلنا عنا ـ أعني العرب والمسلمين ـ بون شاسع. إن هذه القصة الإنسانية التي تدمي القلب بكل تفاصيلها المؤلمة حقيقية واقعية حدثت في الصومال قبل أقل من شهر، هذا البلد العربي المسلم الذي يعاني حاليا من الجفاف الذي أهلك الحرث والنسل، بسبب انحباس المطر وندرته لموسمين متتالين، وهو ما رفع من أسعار الغذاء فوق طاقة الناس، وجعل حوالي 2.5 مليون شخص في دائرة خطر المجاعة، إلى جانب 8 ملايين شخص من أبناء القرن الإفريقي الذين يشاركونه هذه المأساة الإنسانية المزمنة. بطلة القصة هي السيدة والأم "حليمة عمر " التي كانت تعدّ أسرتها الصغيرة من الأسر الريفية الميسورة بالصومال، إذ كانت تمتلك 100 رأس من الماشية، ولكن بعد ثلاث سنوات متتالية من الجفاف، لم يتبق من القطيع شيء واضطرت الأسرة إلى النزوح. وقد دفنت حليمة، البالغة من العمر 30 عاما، أربعة من أطفالها الذين ماتوا جوعا، وأصبحت الآن واحدة من آلاف النازحين بسبب الجفاف، وهي تسكن في ملجأ مؤقت في مخيم للنازحين يضم أكثر من 3.000 أسرة (18.000 شخص) بالقرب من منطقة كورتونواري، التي تقع على بعد 140 كيلومتراً جنوب العاصمة مقديشو. وعندما تتكتل المصائب على الناس وتجتمع عليهم من كل حدب وصوب تكون وطأة الكوارث أكبر عليهم دونما شك، لذا فلا غرو أن يكون أهل الصومال أكثر المتأثرين بالمجاعة في القرن الإفريقي، بسبب الحروب الأهلية الداخلية وانعدام الأمن وكثرة اللاجئين والنازحين من أبنائه. القصة تقرع أكثر من ناقوس خطر، وتنبّه إلى أكثر من أمر، لعل من أهمها: * التحرك الإنساني البطيء والمخجل الذي لا يوازي حجم الكارثة المحدقة، رغم أن أحد عشر مليون شخص مهددون بالموت جوعا وعطشا بينهم مليونا طفل.. قتل الإنسان ما أكفره.. كيف يسلم أخاه لموت محقق رغم أن شربة ماء أو وجبة طعام قد تكون كفيلة بإنقاذه. وللعرب والمسلمين هل تنتظرون لتتحركوا بفاعلية قصص أكثر تأثيرا من قصة حليمة، ونداء استغاثة أبلغ من الذي وجهه الصومالي جمال عبده غيدي إلى هيئات الإغاثة الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي قائلا: "أدركونا قبل فوات الأوان، أطفالنا يموتون جوعا، وبالأمراض، لا ماء، ولا دواء، ولا طعام". من الواجب أن نذكّر بحديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به" أليس أبناء الصومال والقرن الإفريقي هم جوارنا وجيراننا؟! نذكّر به خصوصا ونحن قاب قوسين أو أدنى من شهر رمضان المبارك، شهر الإنفاق والمسارعة في الخيرات والإيثار وتفطير الصائمين وإطعام الطعام والإحساس بجوع الجائعين ومعاناة أصحاب العوز والفاقة من المحتاجين. ورغم مسارعة جمعيات خيرية كقطر الخيرية وجمعية عيد الخيرية لتقديم المعونات هناك إلا أن الأمر يستوجب حملات إغاثية أظنها لا تغيب عن ذهن مؤسساتنا الإنسانية إن شاء الله. * أن تستحضر شعوب الأمة شكر نِعَم الله عليها، إذ أطمعها من جوع وآمنها من خوف بمنّه وكرمه، وبخاصة تلك التي حباها بوفرة الرزق وبحبوحة العيش، والتنوع الواسع في المأكل والمشرب من كافة الأصناف والأشكال. والشكر يكون: ـ بالحفاظ على هذه النعم وعدم الإسراف فيها سواء من حيث إنفاقنا الزائد على المأكل والمشرب بما في ذلك كماليات الكماليات، وعدم التخطيط لمصروفنا والمخصصات التي نحتاجها لاحتياجاتنا المعيشية العائلية، والموازنة بين الأساسية والكمالية منها، أو عدم توفر إدارة أسرية رشيدة وتدبير منزلي واع لدينا، وبحيث لا نأبه لفوائض الطعام الكبيرة التي تؤول إلى مكبّات القمامة وبخاصة ولائم الأعراس والمناسبات، وغير ذلك. ـ أن نربّي أبناءنا على تقدير هذه النعم منذ الصغر، وتذكيرهم بأن ملايين من البشر محرومون من الاحتياجات الغذائية الرئيسية الضرورية للحياة ـ وليس الكماليات ـ وضرب الأمثال بقصص الفقراء والمعوزين، والمنكوبين بسبب المجاعات المرتبطة بالقحط والجفاف ليعرفوا مقدار النعمة وما هم به من خير، ويحافظوا من ثَمَّ عليها ويصونوها، ويتحسسوا آلام غيرهم ويمدوا يد العون لهم. ـ وبالدعاء: فقد علمنا الإسلام أن نثني بدعائنا اليومي صباح مساء على الله سبحانه وعلى نعمه التي لا تحصى وآلائه التي لا تعدّ: " اللهم إني أصبحت/ أمسيت منك في نعمة وعافية وستر فأتمم نعمتك علي وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة" و" اللهم ما أصبح / أمسى بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر" وكذلك: "يا ربي لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك".