20 سبتمبر 2025

تسجيل

رواندا في الوطن الأزرق

20 يونيو 2023

خلال مائة يوم فقط، من عام 1994، أوقعت المواجهات الدموية الوحشية بين قبائل الهوتي والتوتسي في رواندا أكثر من مليون شخص بين طفل وامرأة ورجل، وهي عبارة عن مواجهات دموية بدأت منذ عام 1991، واستمرت لثلاث سنوات، لتكون الحصيلة المرعبة مليون شخص، فتؤسس لاحقاً لمرجعية ومسطرة تقاس بها وحشية ورعب البشر ضد بعضهم البعض، كرر بعد هذه الوقائع المرعبة كثير من ساسة الغرب بأنهم لن يسمحوا لمثل هذه المجازر البشعة والوحشية أن تتكرر، ليتبين لاحقاً أنه على عادة السياسيين كلام في الهواء، لا رصيد أخلاقيا له، بعد أن تجدد ذلك في مناطق عدة، ونحن نراه اليوم يتكرر بشكل مرعب في البحار الذي وجد فيه الهاربون من الظلم والاستبداد المحلي المدعوم بالاحتلالات الخارجية ملاذاً للهروب من الأوطان التي قصرها البعض على البعض، لكن لتتحول هذه البحار إلى أماكن ملاحقة الهاربين بعد تعاضد الأدلة على تورط الأمن اليوناني في عملية إغراق القارب. استذكرت رواندا وبكاء البعض على ضحايا القارب الذي كان يقل 750 مدنياً هارباً من دول تورط الغرب فيها إما بدعم المحتلين الداخليين، أو كان هو من احتلها، فتسبب لها بكوارث متعددة الأبعاد من عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية، فلم يعد البشر قادرين على استمرارية الحياة فيها. كان الهاربون من ظلم هذه الأنظمة الاستبدادية الشمولية، أو من ظلم المحتلين هدفهم البحث عن مكان يليق بالبشر، فوجدوا تآمر البشر حتى في الوطن الأزرق الذي لم يعد أزرق بلون مائه، وإنما مخضب بدمائهم، أو أسود بسواد قلوب من أغرق قاربهم، ومن تسبب في هجرتهم وغربتهم وهروبهم من أوطانهم. لا يشك عاقل أن السبب الرئيسي في هذه الكوارث المتكررة والتي ستتواصل، إنما هو دعم الغرب وإصراره على إسناد الأنظمة الشمولية الديكتاتورية القابعة والجاثمة على صدور الشعوب، وإلا فكيف نفسر دعم ومساندة الغرب لأكثر من 12 عاماً للنظام السوري بالبقاء جاثماً على صدر شعبه، وهو الذي استخدم السلاح الكيماوي المحرم دولياً أكثر من 317 مرة، بالإضافة إلى مخالفته استخدام البراميل المتفجرة التي وضع مجلس الأمن الدولي مسألة استخدامها تحت طائلة البند السابع، بحيث يخوّله استخدام القوة ضد مستخدمها، ومع هذا تجاهل تحذيراته، كما تجاهل أوباما تهديده وخطه الأحمر رداً على استخدام النظام السوري للكيماوي في مجزرة الغوطة والتي راح ضحيتها أكثر من 1500 بين طفل وامرأة ورجل. الغرب هو الذي يتحمل مسؤولية كل ما يجري من مجازر في الوطن الأزرق، وفي الوطن اليابسة حيث نرى عشرات الملايين من اللاجئين الهاربين الهائمين على وجوههم، إن كانوا نازحين في أرضهم، أو لاجئين هاربين خارج وطنهم، ولا حل لهذه المشكلة المتراكمة، والمتنامية إلا بإحلال العدل، وبتخلي الغرب عن الأنظمة الاستبدادية الشمولية والديكتاتورية، وحينها سنرى وقف نزيف الهجرة والتشرد، فهذه الديكتاتوريات إنما هي موجودة بفعل الدعم الأجنبي، بعد أن انفض الدعم المحلي عنها لسنوات وربما لعقود. ما يجري اليوم على اليابسة إن كان في السودان أو ليبيا أو سوريا من حيث تعفن الجرح السوري وتلوثه، وتفشيه إلى الدول المجاورة من خلال تجارة وتهريب الكبتاغون، أو من حيث تفشي ظاهرة المليشيات الطائفية، أو من حيث تفشي إرسال الأسلحة والمخدرات عبر طائرات الدرون للدول المجاورة، سيكون له تداعيات مرعبة في المستقبل إن لم يتم تدارك الأمر، كل هذا يذكرني بالحالة الأفغانية التي غطيتها في أواخر القرن الماضي، يوم تجاهل الغرب والشرق الجرح الأفغاني، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه من تفجيرات نيويورك وواشنطن، والقصة التي يعلمها الجميع ويدفع اليوم ثمنها الكل، ولعل ما يجري اليوم في سوريا من إهمال وتقصير وتجاهل وتواطؤ لا يقارن بما جرى للأفغان.