13 سبتمبر 2025

تسجيل

برّاد جعفر

20 يونيو 2022

من هو جعفر؟ شاب في لبنان عرض "برّادًا" أي ثلاجة للبيع عبر أحد حسابات التواصل الاجتماعي المخصصة لشؤون الناس في حيّ ما زال أبناؤه يُحاولون التمسك عبثًا بالطبقة الوسطى، ومنهم من انحدر للطبقة المعدومة، ولكنه مُقتنع بأن البؤس هو جزء من الكرامة الإنسانية. خبر بيع البرّاد، لَفت انتباه أسرة تعيش في الخارج، ظنّا منهم أن الفقر والحاجة هما سبب بيع البرّاد، حيث إن جعفر لم يعد يحتاج لثلاجته. لما الثلاجة، في بلد لا كهرباء فيه ولا رواتب لتشتري اللحوم والألبان والأجبان؟. الابنة أبلغت أباها أن برّاد قريبهم الفقير للبيع، الأب انتابه القلق من حال ابن عمه في لبنان، فبدأ بالتفكير ليلًا كيف يُمكنه تقديم المساعدة بما استطاع إليه سبيلاً، وانطلقت المشاورات الأسرية حول مساندة بائع البراد دون أن تُكشف هوية المُحسن المجهول. توالت الاتصالات إلى لبنان، وبدأ خبر بيع البرّاد يتغلغل من الأسرة إلى العائلة، وتم في النهاية وضع الخطة المُحكمة، وهي أن تتصّل شابة من خارج الأسرة، لتسأل عن سعر الثلاجة وتتقصّى الحقائق. وبالفعل تم تنفيذ الخطة، فإذا بجعفر يكشف أن الثلاجة هي ما ورثه حديثًا عن خالته، وأنّ برّاده الأصلي ليس للبيع، وإنما لا حاجة له في برّاد ثانٍ.. تنفسّت العائلة الصعداء وباتوا ليلتهم هانئين مُطمئنين أن جعفر لديه برّاد! رحم الله خالة جعفر التي ورثته البراد.. في قصّة حقيقية تتكرر أحداثها يوميًا بأشكال مختلفة وتعكس كيفية انتشار الخبر وتداوله بين المجتمعات، وكذلك هو حال الأخبار السياسية العالمية التي تُصوّرها كلّ قناة إعلامية بحسب توجهاتها السياسية، مع ما تتضمنه من تضليل للرأي العام، وغالبًا توجيه الناس نحو قناعة معيّنة. تتجسّد الوراثة هذه بشكل آخر في تغريدات عدد من الشخصيات السياسية في لبنان، التي يُقارنون فيها بين انقطاع الكهرباء في مطار شارل ديغول الدولي لساعات معدودة وبين انقطاع التيار السرمدي في لبنان، مُتشبثين بأوهامهم أن ما يحدث في لبنان هو مسار طبيعي يُعمم في كل دول العالم. فمن مطار شارل ديغول يكتب "الجهبذ" السياسي تغريدة أخرى يُقارن فيها انسيابية تشغيل مطار رفيق الحريري الدولي بما حدث من تأخير في الحقائب بمطار هيثرو الدولي. من المعقول أن تجد شخصية كجعفر في كافة المجتمعات، ومن المعقول أن تواجه بريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول عدم استقرار في توفير الطاقة؛ ومن المعقول أن ترزح أوروبا تحت وطأة الحرّ بسبب التغير المناخي مع تحقق نبوءة "معقول تشتّي بآب وتتلج عالدينا كلها" ولكن ليس من المعقول أن تجد وزيرا بموقع مسؤولية يُعاير الدول الأخرى بانقطاع التيار الكهربائي ويتغنّى بفشله المُقارن.. إلا في هذه المنظومة اللبنانية. البرّاد للبيع يا جماعة والسعر بالدولار.. أما الوراثة السياسية فهي ليست للبيع.. ومرهونة بالقدرة على شرب المزيد من الدم.