20 سبتمبر 2025

تسجيل

كبار تركوا بصمة وصغار أضاعوا ثروة

20 يونيو 2021

سعيت قبل عدة سنوات قليلة مضت لمقابلة أحد الوزراء، حيث لا أحد دونه يستطيع أن ينظر في طلبي المتواضع كما قيل لي، لأفاجأ بسيل من الاحالات لا ينتهي، من مدير مكتبه الذي يحيل بالتالي إلى مساعده، وهكذا دواليك، وفي النهاية الموضوع خارج سلطة الوزارة، وكأنه أمر عسكري على الرغم من أن مسمى الوزارة يحتويه جملة وتفصيلا. في برج من عظمته تظن أنه مصنع للقرار، ودخوله يتطلب منك الصبر والانتظار، في تلك الأثناء قفزت إلى مخيلتي مشاهدة كنت قد عشتها في أواسط السبعينيات من القرن المنصرم وما بعدها بقليل، حيث كان والدي رحمه الله يرسلني أحياناً لتخليص بعض الأمور السكنية والخدمية إلى بعض الدوائر الحكومية، أذكر أنه وجهني مرة إلى مكتب السيدين محمد بن يوسف الكواري وعبدالكريم القحطاني في إدارة الكهرباء، لإتمام توصيل تيار كهرباء على ما أظن لملحق وإضافة داخل المنزل، ذهبت إلى مبنى شديد التواضع مقارنة بأبراج اليوم، وولجت إلى مكتب به رجلان وقوران هما السيد محمد بن يوسف الكواري والسيد عبدالكريم القحطاني، خلية نحل من المراجعين هنا وهناك، ووجدت كذلك ترحيبا وابتسامة كبيرة تعم الجميع وتشعرك بجو المسؤولية والاحترام، لا ضجر، لا تحويل إلى مكتب الوزير، لا انتظار، لا مواعيد «عرقوب»، خلصت مهمتي في زيارتين قصيرتين. وجدت مسؤولية تتقمص هؤلاء الرجال فتحركهم بكل ثقة، لا أدري كيف قفزت هذه الصورة إلى ذهني بعد مشواري مع وزير البرج ومكتبه الذي فوق السحاب. هناك كثير من أبناء قطر من أمثال السيدين الكريمين محمد بن يوسف الكواري وعبدالكريم القحطاني، اطال الله عمر من بقي منهما ورحم من رحل منهما إلى دار البقاء، في جميع دوائر الدولة في حينه، كان الوزير بالفعل منصباً سياسياً بالإضافة إلى امتلاك الصلاحية والثقة التي جاءوا بها إلى المنصب، في حين كانت الإدارات تقوم بالدور المنوط بها على اكمل وجه، وكان المديرون على قدر كبير من الكفاءة والمسؤولية، الكهرباء، الماء، البلدية، الهندسة، جميع الإدارات ابناء قطر، وهم كثر من ذلك الجيل الأسبق، تركوا بصمة لأنهم كانوا كبارا في المعنى قبل المبنى أو المسمى، في حين أنه حين اعتمدنا على المبنى على حساب المعنى أوجدنا أبراجاً يعيش المواطن بين السُلم والاسانسير داخلها طوال العام، ثم يرجع مكسوراً من كثرة الاحالات التي تأتي على حساب صحته النفسية والبدنية. ابحثوا عن المعنى أيها السادة يطب لكم المبنى على تواضعه، ولا تركنوا إلى المبنى «جداراً كان أم إنساناً» على حساب المعنى حتى لا تتحول البصمة إلى وصمة والثروة إلى إفلاس وحسرة. [email protected]