19 سبتمبر 2025

تسجيل

نحو مواطن أقل هذياناً

20 يونيو 2019

وحده المجتمع المدني القادر على إيقاف هذيان المواطن وتحويله إلى طاقة عمل وبناء. لو استقرأنا التاريخ لوجدنا أن التغيير الراديكالي وما قد يصاحبه من سلبيات هي نتيجة عدم الاكتراث بهذيان المواطن الذي قد يأخذ شكلاً آخر عندما تصطدم آماله وطموحاته بما لا يطيقه أو يستطيع التعبير عنه. فقد انتقل دور الدولة عموماً من علاج هذا الهذيان جذرياً إلى كيفية التعامل معه ومن ثم تنفيسه. المواطن العربي «والقطري جزء لا يتجزأ منه» مريض بالهذيان والاكتئاب يخلط الماضي بالحاضر والدين بالدنيا، يهذى بأمجاد الأمس ولا يملك حاضره، وليست لديه القدرة على استشراف مستقبله، يتكلم عن الحرية وهو أول من يحرمها على غيره، يتحدث عن النظافة ليلقي بأوساخه في الشارع وأمام البيت، يتأسف على ضياع الأمانة ليمارس النفاق سراً، يدعو إلى النظام ليفتخر بتجاوزه بعد ذلك، يبكى على الديمقراطية الغائبة لينحاز إلى العرق والطائفة والقبيلة حتى الرمق الأخير، يطلب الانتخابات ليكون أول المتنصلين من نتائجها، يقول شيئاً في العلن ليضمر شيئاً آخر في السر، يمارس التقية ويدعي صفاء النية. المواطن العربي هنا ضحية أكثر منه جان لكل تلك المثالب، هي تمظهر حقيقي لغياب المجتمع المدني الحقيقي الذي يرفع الشخص إلى مستوى الإيمان بالفكر الذي يميز الإنسان عن غيره من الكائنات والذي يعطيه الحق في الدفاع عما آمن به والقوة في قول ما اقتنع به كذلك. المجتمع المدني وحده القادر على انتشال المواطن من بؤرة التكور حول الذات لحمايتها إلى مجال الحوار الإنساني البناء والثقة بالنفس والانتماء المهني والفكري اللازم لبناء الوطن والأمة. لن تكون الدولة أية دولة على هدى وبصيرة وهي لا تحمل في ثناياها بذور مجتمع مدني حقيقي، هو بوصلتها الحقيقية نحو بر الأمان هو الحد الفاصل بين رشدها وغيها. لقد ظلم المواطن العربي غير مرة، ظلم عندما صدَّق وعود الديمقراطية الآتية لا محالة ولم ير سوى شعارات ترفع وعبارات تردد. وظلم عندما دعي إلى الانتخابات وهو في غرفة نومه وبين أحضان عشيرته وقبيلته الأقربين، وطلب منه أن يتنصل وأن يخرج بنتائج تتفق ووجود المجتمع المدني. وظلم ثالثة عندما فرغت الدولة مكونات المجتمع المدني من مضامينها وألحقته بها فكان وبالاً على المواطن لا عوناً له، فأصبحت تلك النقابات وتلك الجمعيات والأحزاب ليس لها من المجتمع المدني سوى الاسم كمسمى الديمقراطية المصاحب لاسم العديد من دولنا العربية التي لم تر الديمقراطية ولم تشتم رائحتها. وبعد كل هذا وباسم الواقعية والظروف والتطور يطلب من المواطن أن يكف عن الهذيان وعينيه لا ترى سواه عيانا. إنكم تطلبون المستحيل !! [email protected]