14 سبتمبر 2025
تسجيلوبدايات شهر البركة جاء بالأخبار أن الجالية السودانية أهدت السفير سيارة بمناسبة انتهاء فترة عمله بالدولة، في بادرة هي الأولي من نوعها فغالبية من سبقوه كان حظهم دروعا تذكارية وهدايا رمزية. اللافت أنها تصادفت وظروفا اقتصادية حرجة، ومفتاح السيارة النموذج وحده ربما سعره يعادل ثمن رضعة حليب لمائة من الأطفال حديثي الولادة وفاقدي الأبوين بمركز المايقوما. غير سعر السيارة الذي قدره البعض بمايعادل ٣٠٠ مليون جنيه سوداني "اللهم لا حسد". الخبر حظي بتعليقات بعضها ساخر "والله انتوا جالية السرور" وآخر مستنكرا باعتبار الرجل أدى واجبه الرسمي وهو منقول لموقع آخر ربما أكثر امتيازا، أحدهم قال إن تركيا تمنع مهاداة المسؤولين وتسمح باستزراع أشجار بأسماء المكرمين. وآخر علق "السفير لايحتاج لدعم لأنه يقوم بدوره ويؤدي واجبه ويخدم أهله وبلده ليتكم حولتوا المبلغ لمشروع خيري لدعم المساكين أو صيانة مدرسة أو إجلاس طلاب أو حفر بير صدقة جارية في إحدى مناطق التصحر كهدية من جالية قطر".ولعل الكثيرين تابعوا ذلك الراعي السوداني بالسعودية والذي تمنع عن الإهداء والبيع، فضرب مثلا يحتذى وقفز لذهني أنموذج الجنرال السوداني صديق الزئبق عندما حشد الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم في الستينات قواته وهدد باجتياح دولة الكويت، أرسلت الجامعة العربية قوة مشتركة ضمت كتيبة من القوات المسلحة السودانية، وعندما انتهت مهمتهم واصطفوا في المطار ليستقلوا طائرتهم عائدين، تقدم أحد أمراء أسرة الصباح وسلم كل عسكري ظرفا ضخما محشوا بالمال والساعات الفاخرة وعندها صاح قايد القوة اللواء ا . ح صديق الزئبق بأعلى صوته موجها النداء لضباطه وجنوده: «طابور صفا.. انتباااااه» «أرضا ظرف» أي ضع الظرف على الأرض، ونفذ جميعهم الأمر ووضعوا الظروف على الأرض وركبوا طائرتهم تاركين الأموال والساعات وراءهم. فسجل هذا الموقف في أنصع صفحات التاريخ .أما الطبيب السوداني زاكي الدين أحمد حسين الذي قام بعلاج ابنة إمبراطور اليابان في السبعينات وهي زوجة السفير الياباني بالخرطوم آنذاك، حيث أصيبت بآلام حادة بمعدتها انطلق بها زوجها لمستشفى الخرطوم بحري المتواضع جدا وقبل بخيار إجراء عملية جراحية كان لابد منها في ظل معاناة زوجته تكللت بالنجاح وطار السفير بزوجته إلى اليابان، ومن المطار إلى أضخم مستشفى خضعت لفحوص مكثفة، وطرح مجموعة اﻷطباء عليه أسئلة أين أجريت العملية ومن قام بها؟ قال السفير: في بلد اسمه السودان، وعلى يد طبيب يدعى زاكي الدين، فقالوا له هذا طبيب معجزة. فالعملية ما كان لها أن تنجح لخطورتها وﻻبد من دعوته لليابان لمناقشته علميا .وفعلا تلقى بروف زاكي الدين دعوة من إمبراطور شخصيا، وهناك سألوه أن اطلب أي شيء، قال: لا أريد شيئا لنفسي بل أطلب بناء مستشفى حديث للسودان .وفعلا تم قيام مستشفى ابن سيناء الذي يعد من أشهر المستشفيات في العاصمة الخرطوم .فيا سعادة السفير لست بأقل من الضابط العظيم الزئبق ولا البروفسور زاكي الدين ولا بذلك الراعي الواعي فسارع بتسجيل اسمك في هذا الشهر الفضيل في صفحات التاريخ الناصعة في ظل ظروف خانقة حتى لكثير من المغتربين، وكان الأجدر بالقائمين على أمر الجالية أن يعتقوا بهذا المبلغ بعضا من الغارمين أو يمسحوا به أسماء أسر متعففة من كشوف الجمعيات الخيرية أو يزورا به نَفَرا من الممددين على الأسرة البيضاء بمستشفى الأمل أو يغرسوا به أشجارا تقيهم وإياكم الهجير، هذا إن لم يوجه هذا المبلغ المعتبر لتخفيف معاناة أطفال اللجوء وأوجاع الشتات. هذا والله من وراء القصد.. وتبقى للحديث بقية همسة: ما أسعد من يسنون سنة حميدة تبيض الوجوه الكالحة أو تشبع بطنا جائعة أو تغرس شجرة يانعة