30 أكتوبر 2025

تسجيل

الثورة العراقية!

20 يونيو 2014

تلك قراءة للخط الاستراتيجي لبدء وتوسع الثورة العراقية الجارية، وفق ما تخطه الوقائع والرؤى والمؤشرات. جاءت بداية الثورة العراقية في موجتها الراهنة، متزامنة ومترافقة ومرتبطة مع بداية فوران الربيع العربي في موجته الأولى. حينها انطلقت حشود الجماهير العراقية في مناطق وميادين عديدة تحت ظلال شعارات الربيع، فواجهها المالكي بالقوة والقمع. قبلها كانت قد جرت مؤشرات تظهر تململ الشعب العراقي، من استمرار حالة تردي الخدمات واستمرار وقائع لصوصية المال العام دون مواجهة، إذ خرجت تظاهرات عفوية في أكثر من محافظة عراقية، وجاءت الانتخابات البلدية أو المحلية تظهر جانبا آخر من هذا التململ، إذ حصل بعض المرشحين الأفراد على مراكز متقدمة على حساب المؤيدين والمدعومين من الأحزاب والكيانات المشاركة في العملية السياسية.وإزاء قمع حكم المالكي وميلشياته لكل التحركات الجماهيرية، قدم الشعب العراقي إبداعه الخاص حين سجل في التاريخ العراقي تعبير الحراك وشكل وحافظ وتمترس في ساحات العزة والكرامة لحماية هذا النمط من الاحتشاد المتطاول زمنيا. قادة الحراك رفضوا الانجرار للأعمال المسلحة رغم قيام المالكي بأكثر من اعتداء على جمهور تلك الساحات سقط فيها العديد من الشهداء كان أخطرها مجزرة الحويجه. صمد الحراك، وصار يرمم ويلملم حالة المجتمع العراقي الذي كان تعرض للإنهاك الاجتماعي والسياسي والنفسي خلال عملية الاحتلال الأمريكي –الذي حدث خلاله عملية مخططة لإنهاك المجتمع العراقي تحت القصف بأعتى آلة عسكرية وبأقصى درجات تفكيك بنية المجتمع-وما جرى في مواجهتها من مقاومة عراقية قابلتها قوات الاحتلال بأعمال إبادة وحشية أدت إلى لجوء النخب العراقية للخارج. كما كان المجتمع العراقي قد تعرض لإنهاك مروع خلال أحداث فتنة سامراء التي صنعتها إيران -حسب اتهامات الجنرالات الأمريكيين-وبسبب ما قام به نوري المالكي من أعمال تهجير وتطهير طائفي.شكل الحراك رافعة جديدة تمسك بها أهل العراق لإعادة تشكيل المعارضة الوطنية الديمقراطية وإعادة الشعور الجماعي بالتضامن، كما شكل تحفيزا للقدرة على التمسك بالمطالب. قام الحراك بنفس الدور الذي قامت به المقاومة العراقية في مواجهة الاحتلال الأمريكي، إذ كان ردها الفوري والمباشر هو ما أشعل الشعور بالقدرة على المواجهة. لقد وضع الحراك العملية السياسية التي شكلها الاحتلال في مأزق خطير، إذ كان احتشاد العراقيين الرافضين لها وبكل تلك الأعداد الحاشدة، هو الإعلان الأكبر والعملي بعدم مشروعيتها أو عدم تمثيلها للشعب العراقي وهو أظهر في أقل تأثير أن المحافظات الست المنتفضة لا يمثلها أحد في النظام السياسي القائم. وهكذا وجد المالكي ورعاته -من الولايات المتحدة إلى إيران- أنه لا بديل أمامهم سوى خيارين، أولهما التراجع أمام الحراك الذي كان يسير نحو إنهاء منظومة الاحتلال -الدستور وتشريعات الاجتثاث خاصة المادة 4 إرهاب (أو 4 سنة حسب أقوال قادة الحراك) وغيرها-وثانيهما الذي اعتمد، بإنفاذ خطة إستراتيجية تشيطن الحراك وتفتح الطريق لهجوم عسكري إجرامي ينهي الظاهرة ويعيد تفكيك المجتمع العراقي، وهو ما جرى تطبيقه حين اخترع المالكي حكاية وجود القاعدة وسيطرتها على الحراك وصار يلعب لعبة الشيطنة ومن بعدها شن هجماته العسكرية، دون إدراك استراتيجي للتحولات التي أحدثها الحراك في المجتمع العراقي. بوغت المالكي والإيرانيون والأمريكان من خلفه بخطة إستراتيجية يتحول فيها الحراك إلى وضعية الحرب الشعبية وفق خطة ممنهجة مدروسة، إذ صمدت الفلوجة والرمادي خصوصا والأنبار عموما حتى أنهكت قوات المالكي لتبدأ حركة الهجوم الاستراتيجي المتنقلة من ديالى إلى سامراء ثم إلى نينوى بزخم كبير مكن الثوار من تحريرها والانتقال إلى حرب شعبية على مساحة واسعة، ولم تكن المفاجأة تتعلق فقط بوجود الخطة والقدرة على الحركة واعتماد المفاجأة الإستراتيجية بل كان الأخطر أن الثورة كشفت للمالكي وأمريكا وإيران مدى هشاشة الجيش الذي تشكل بعد الاحتلال وأنفقت عليه أموال العراق وجهود الخبراء العسكريين الأمريكيين والإيرانيين. الحراك هو أبو الثورة العراقية الراهنة. والثورة العراقية المسلحة الجارية لم تبدأ فجأة وهي ليست صنيعة مؤامرة ولا ناتج فجائي بل هي امتداد للحراك الذي شكل بوتقة للقاء الإرادات والخبرات لكل من قاوم الاحتلال ولكل من رفض الانخراط في العملية السياسية أو انسحب منها بعد أن اكتشف زيفها.