10 سبتمبر 2025

تسجيل

كريل في غزة

20 مايو 2024

تُعَدُّ أدلجة الإعلام أثناء الحروب ظاهرة قديمة تتجلى بوضوح في توجيه المحتوى الإعلامي لخدمة أهداف سياسية وأيديولوجية معينة. تتخذ هذه الأدلجة أشكالاً متعددة، تتراوح بين استخدام الأخبار لتضليل الجمهور، وتعبئة الرأي العام، وصولاً إلى تبرير الأعمال العسكرية والسياسية. وفي العدوان على غزة نشاهد أن الشهور القليلة الماضية شهدت حراكاً صهيونياً كبيراً لأدلجة الإعلام الدولي بعد الخسارة الكبيرة التي مني بها العدو الصهيوني في وسائل التواصل الاجتماعي وأرض المعركة، لهذا استخدم شخصيات دولية للترويج لرواياته الكاذبة أبرز هذه الشخصيات وزيرة الداخلية البريطانية السابقة ذات الأصول الهندية. يبدو أن الكيان الصهيوني قد شكل خلال الفترة الماضية لجنة كريل الخاصة به، حيث يذكر التاريخ أن وودرو ويلسون الرئيس الأمريكي السابق أسس لجنة الإعلام العامة برئاسة جورج كريل في 1917. كانت اللجنة تهدف إلى كسب تأييد الشعب للحرب عبر وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك الصحف والملصقات والأفلام، الغريب أن ويلسون حمل شعاراً مشابهاً للشعار الذي يحمله نتنياهو وبايدن اليوم بأن القضاء على حماس هو ما يضمن الأمن، حيث كان شعاره: «يجب أن نُعبِّر عن أنفسنا بصوت واضح وحازم. العالم يجب أن يكون آمناً للديمقراطية»، طبعاً المقصود هنا الديمقراطية بالمقاسات الأمريكية التي تتم حياكتها بما يناسب الصهاينة. تركزت أعمال لجنة كريل (الذي كان من أبرز أقواله: الحرب ليست مجرد قتال بالأسلحة، بل هي أيضًا معركة للإرادة والإيمان، ويجب أن يكون الإعلام حليفًا في هذه المعركة) في إنتاج المواد الإعلامية والتحكم في المعلومات وتنظيم الفعاليات والمناسبات وتلقت انتقادات كثيرة بسبب طرقها القسرية في التأثير على الإعلام والرأي العام حيث كانت بعض الأنشطة التي قامت بها اللجنة تتصادم مع حقوق الحريات الأساسية مثل حرية التعبير، واعتبر البعض أنها تعرقل الحوار الديمقراطي. وبعد الحرب العالمية الأولى، تم تفكيك اللجنة في عام 1919، وذلك بعدما أصبحت الحاجة إليها غير ملحة. ومع ذلك، استفادت الحكومة الأمريكية من تجارب اللجنة في تشكيل استراتيجيات الإعلام خلال الحروب اللاحقة حيث أسس الرئيس روزفلت مكتب المعلومات الحربية (OWI) في يونيو 1942 لتنسيق الدعاية الحربية وأنتج المكتب أفلامًا دعائية، مثل «لماذا نحارب»، لتعبئة الرأي العام وتحفيز المشاركة في المجهود الحربي. لقد كان هناك إيمان راسخ منذ القدم في أوقات الحروب أن الإعلام أداة حيوية في يد الحكومات والقوى المتصارعة. يمكنه بناء صورة نمطية للعدو، ويسهم في تحفيز العداء وتعزيز الشعور بالوطنية. ورفع معنويات الجيش والمواطنين، وفي الوقت نفسه، تحطيم معنويات العدو. اليوم يستخدم الصهاينة كل شيء لا أخلاقي بدءا من الكذب والتزييف وليس نهاية بتنظيم الفعاليات والدفع للأبواق الدولية لتشويه صورة غزة وكل من يحاول أن يكون طرفاً في الوصول إلى حل سلمي للعدوان على غزة، فهي تسعى لتشويه صورة قطر، وتركيا، وكل الدول العربية التي تفكر في اتخاذ خطوة (وإن كانت على خجل) عبر نشر الأكاذيب ونشر الإشاعات عن هذه الدول أو ضدها أو إشغالها في حروب إعلامية جانبية يجعلها في حالة الدفاع بدلاً من الحياد أو الهجوم. إن أدلجة الإعلام وقت الحروب تتسبب في تشويه الحقيقة وتضليل الجمهور. وتؤدي إلى تصاعد الكراهية والعنف، وتقلل من فرص الحلول السلمية. لذا فإن إغفال العرب أهمية هذا الدور الآن سيؤدي في نهاية المطاف لتنازلهم عن الكثير من الأمور.. ستبدأ بغزة.. ولن تنتهي حيث يجلسون.