20 سبتمبر 2025
تسجيلفي عام 68 افتتحت إذاعة قطر، وكان يوم ثلاثاء على ما أذكر، وبصوت المذيع زهير قدورة، شعور جميل أحسست به تلك الليلة وكأنها تتكلم باسمي شخصياً، في تلك الأثناء كنت أمارس لعبة كرة القدم في الريان وملاعب الفرجان، كنت بالإضافة إلى ذلك أستمع ليلياً كحال ذلك الجيل إلى صوت العرب وأتتبع باستمرار الاستعدادات للمعركة القادمة بين الأمة والعدو الإسرائيلي، وفي ليلة 28 من سبتمبر عام 70 كنت كالعادة في حوالى الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل أستمع إلى صوت العرب، حيث قُطع الإرسال وتحدث المذيع عن بيان مهم لنائب رئيس الجمهورية محمد أنور السادات، فإذا بصوته الرخيم المتعب «فقدت الجمهورية العربية المتحدة وفقدت الأمة العربية، وفقدت الإنسانية كلها رجلاً من أغلى الرجال، أشجع الرجال هو الرئيس جمال عبد الناصر»، لم استوعب الخبر لأنه صادم وبلا مقدمات، والكل حولي نائم والسكون يخيم، وكنا ننام في غرفة كبيرة مع بعض إخواني، لم أدر ما أفعل، وفي تلك الليلة لم أنم حتى الصباح وقت الفطور لم أتكلم حتى سألني والدي فبكيت وأخبرته فرد بإيمان عميق «إنا لله وإنا إليه راجعون». كان ذلك بعد أن أنهيت الصف الثالث إعدادي وسأنتقل إلى المرحلة الثانوية، لست هنا في حالة دفاع عن عصر عبدالناصر فالتاريخ كفيل بذلك، لا أحب التحامل وكأننا اليوم أفضل حالاً أكثر من نصف قرن مرت على وفاته ولا يزال مشجبه معلقاً إلا أنه كان حالة خاصة، كيف أحبه الناس، أمهاتنا، آباؤنا، الجميع، الجميع كان يبكي من المحيط إلى الخليج، كانت كارثة 67 لا تزال جاثمة إلا أن الإرادة كانت قوية ومتماسكة، كما أن حرب الاستنزاف أحيت الأمل والثقة في الأمة ورجالها. وفي يوم قائظ من شهر أغسطس على ما أظن طل علينا المذيع الأخ عبدالوهاب المطوع من تلفزيون دولة قطر في عام 71 أو 72، بدأت أسماعنا وأعيننا تتفتح على المحلي من الأخبار والنشاطات، الهزيمة أحدثت يقظة ولكن لم تُحدث نهضة، بل تشظى الوعي واصطدم ببعضه البعض كما نرى ونسمع اليوم فلم يُبق للمكان ذاكرة ولا للزمان اعتبار ولا للشعوب روح، نحن لسنا في شوق للأشخاص ولكن نحن في شوق لتلك الروح التي كانت تسيّر الأمة وتدفع بها إيماناً بإمكانياتها وقدراتها، يوم كانت الإذاعات للشعوب والتلفزيون لسان المجتمعات، ما زلت أحنُ لصوت زهير قدورة وطلة عبدالوهاب المطوع وزملائه أكثر من صوت مذيعي الجزيرة، ما زلت أتوق لبرامج فوزي الخميس أكثر من الاتجاه المعاكس وفوق السلطة أو تحت التفاحة كلها سواء، ما زلت في شوق لرائحة الأرض قبل أن يفترشها الزبد، ما زال لحن الأرض بتتكلم عربي في مسمعي يحكي قصة إرادة لا تكسر وشعب لا يُقهر. [email protected]