15 سبتمبر 2025
تسجيلقد تصل مقالتي هذه إلى القارئ الكريم وقد تغيرت الأحوال في اليمن إلى أي منقلب سيكون وفي هذا السياق وقبل أن أدلي برأيي في أمر جامعة الدول العربية فلابد من توجيه كلمة شكر وتقدير عالي المستوى للإدارة السياسية القطرية بقيادة سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على إعلان انسحاب دولة قطر من مبادرات مجلس التعاون الخاصة بالشأن اليمني بعد أن تأكدت من واقع التجارب مع علي عبد الله صالح الرئيس اليمني المنتهية ولايته شعبيا بأنه لا رجعة عنده عن إخضاع الشعب اليمني بالقوة المسلحة والتهديد بحرب أهلية طاحنة وتسليح " البلاطجة " والانكشارية الجدد لإخضاع هذا الشعب العربي الأصيل لإرادته وطاعته، وأنه لا نية عنده للاستجابة لمطالب شعبه ولا لمبادرات مجلس التعاون التي أعطته حصانة لا يمكن أن يحلم بها في ظل الثورة الشعبية والنخب السياسية عليه وعلى نظام حكمه. والشكر موصولا لهذه القيادة القطرية التي وقفت إلى جانب الشعب العربي في ثوراته ضد أنظمة الاستبداد والفساد والاستعلاء في أكثر من قطر عربي، ولا يمكن أن ينسى دور الدبلوماسية القطرية عندما قدمت هدية سياسية ذات قيمة عالية لنظام مصر الجديدة بعد الإطاحة بنظام حسني مبارك تمثلت تلك الهدية السياسية في تنازل دولة قطر عن حقها المشروع في الاستمرار للترشح لتولي منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية بعد أن انتهت ولاية السيد عمر موسى المصري الجنسية. معروف أن جمهورية مصر العربية في ثوبها الجديد بعد ثورة 25 يناير من هذا العام تقدمت بمرشحها لتولى منصب الأمين العام في مقابل المرشح القطري السيد عبد الرحمن العطية ودون الدخول في دائرة الاستقطابات السياسية أو الوصول بالأمر إلى إجراءات التصويت أعلنت دولة قطر تنازلها عن ترشيح السيد العطية لصالح مرشح جمهورية مصر الدكتور نبيل العربي وبذلك حسم النقاش وأسدل الستار بعد أن قبلت مصر سحب مرشحها الدكتور الفقي واستبداله بالدكتور نبيل العربي. شكرا لمصرعلى تغيير مرشحها السابق وشكرا لقطر للتنازل عن حقها لصالح نبيل العربي. (2) رغم احترامي وتقديري للدكتور نبيل العربي الذي تعود معرفتي به منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي عندما كنا معا في الأمم المتحدة ومعرفتي بمواقفه المشرفة إبان محادثات كامب ديفيد في أمريكا، إلا أنني لم أكن سعيدا بتركه وزارة الخارجية المصرية فهناك مكانه الطبيعي الذي منه يستطيع أن يقدم خدمات سياسية عالية المستوى لمصر في عهدها الجديد وللأمة العربية الزاحفة نحو التغيير، معنى ذلك أنني كنت على يقين أنه كان سيسهم في تطوير آليات الجامعة العربية وتطوير هياكلها من داخل وزارة الخارجية المصرية لا من داخل الجامعة العربية. لعلها مناسبة أن أذكر بدور السياسة الخارجية المصرية التي كانت ترسم ملامحها " وزارة الخارجية " أن مصر في نوفمبر عام 1952 ووسط زحام الحوادث المتوالية بعد ثورة 23 يوليو 1952، أعلنت ألمانيا الغربية أنها ستقوم بدفع تعويضات باهظة لإسرائيل عن كل الأضرار التي لحقت باليهود من الحكم النازي في ألمانيا وأوروبا، هذا الإعلان دفع الجامعة العربية لعقد اجتماع للجنة السياسية لجامعة الدول العربية حضره محمد نجيب وعبد الناصر وبعد مداولات اتخذت اللجنة السياسية للجامعة العربية قرارا واحدا يقضي بأن يستدعي محمد نجيب السفير الألماني في القاهرة ويبلغه بأن على ألمانيا أن تعيد النظر في قضية التعويضات لإسرائيل في خلال 48 ساعة وإلا فإن العرب سيقررون لأنفسهم موقفا تجاه ألمانيا، وفعلا استجابت ألمانيا في ذلك الوقت وقررت تأجيل توقيع اتفاق التعويضات إلى أجل غير مسمى. ما أردت قوله هو أن وجود شخصية مصرية على قمة الهرم التنظيمي في وزارة الخارجية همها عربيا انطلاقا من مكانة مصر يجعلها قادرة على تحقيق الكثير من أهداف أمتنا العربية. ودليل القول إنه في فترة قصيرة من ولاية الدكتور العربي لوزارة الخارجية المصرية في ثوبها الجديد بعد ثورة 25 يناير الشعبية رأينا الفعل الصادق لتلك الدبلوماسية النشطة لوزير خارجية مصر أنه قد تم فتح معبر رفح، والعمل على استعادة دور مصر في منطقة الشرق الأوسط بالتقارب مع تركيا وإيران وتطبيع العلاقات مع سوريا بعد قطيعة تمت في عهد النظام المخلوع، ولأول مرة ومنذ ثلاثين عاما استمعنا إلى بيان صادر من القاهرة شديد اللهجة يحذر إسرائيل من مغبة تماديها في العدوان على غزة، ولأول مرة نحس ونرى اندفاع مصر نحو مجالها الحيوي نحو السودان بعد غياب كان له عواقب وخيمة على مصر والسودان. لهذه الأسباب ولحبي لمصر واحترامي للدكتور نبيل العربي فإنني ما كنت أتمنى أن يخرج من وزارة الخارجية إلى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية لأن مكانة الدكتور نبيل أكبر من ذلك المنصب، وعلى أي حال أتمنى له التوفيق في مهمته الجديدة في جامعة الدول العربية. آخر دعائي: يارب احم مصر الكنانة من كل من أراد بها سوءا، وشد من أزر دولة قطر لنصرة كل مغبون يا رب العالمين.