11 سبتمبر 2025
تسجيلفي مواجهة قافلة التغيير التي تغذّ سيرها المبارك في غير ما بلد عربي، سعيا لمستقبل أفضل ينعم فيه المواطنون بكرامتهم ويتمتعون بحريتهم بأمن وسلام تقف ماكينة دعاية الأنظمة لها بالمرصاد، تقوم بعملية تضليل وتشويه متعمدة، لكنها لم تستطع أن تقنع الجمهور الذي نجح في إنجاز مهمته كما في مصر وتونس، أو يسعى لإنجازها كما في دول أخرى. هدف هذه الدعاية إما تشويه الصورة الجميلة لهذه القافلة، والنيل من سمعتها الطيبة، أو التخويف من حراكها، في مسعى خائب منها لتقليص حجم التأييد الشعبي الداخلي الذي تتمتع به، أو الحد من توسع رقعته، وصرف الجماهير عن الالتفاف حولها والاصطفاف خلفها، أو التحريض الإقليمي والدولي ضدها. مفردات قاموس دعاية الأنظمة العربية يربط بين الحراك الشعبي السلمي وبين "المؤامرة" و" الاستهداف الخارجي" وإثارة " الفتنة" أو " الفتن الطائفية"، أو " النعرات القبلية" أو تأجيج نار" الحرب الأهلية"، ويرى أنه قد يعرض "الوحدة الوطنية" للخطر أو يؤثر على دورها في" الصمود" و" مواجهة" العدو الصهيوني. أما القائمون بهذه التحركات من الشباب المحتج وأحزاب المعارضة فهم: من تنظيم " القاعدة"، أو "أصوليون"، أو " سلفيون جهاديون"، أو " مندسون" مغرضون، أو أجانب "قادمون من وراء الحدود" أو " فلسطينيون قادمون" من المخيمات"، أو " إخوان مسلمون" يريدون تجيير ما يحدث للسيطرة على البلاد والعباد وإدارة دفتها لصالح أهدافهم " الظلامية" بحكم شعبيتهم الكبيرة. من الواضح أن هذه الاتهامات مكررة وبائسة، وبعضها مستنسخ مما سبقه، ولم تحل دون مواصلة حراك التغيير ، فعلى سبيل المثال : اتهم الرئيس اليمني بأن الاحتجاجات المليونية التي تشهدها بلاده يخطط لها في الولايات المتحدة وتدار من غرفة عمليات بإسرائيل، وقبل أيام كرر الرئيس السوري ما قاله في خطاب أمام مجلس الشعب عن وجود "مؤامرة" وراء التحركات الشعبية العفوية المطالبة بالإصلاح والحرية باعتبار أن بلاده مستهدفة خارجيا، بوصفها من دول المواجهة مع الكيان الصهيوني. ومثلما خوّف الرئيس صالح من حرب أهلية وقبلية في دولته باعتبار أن شعبه مسلح، حذّر الإعلام السوري الرسمي ـ ومايزال ـ من احتمالات حدوث " فتنة" بين مكونات الشعب السوري الذي يتشكل من أديان وقوميات ومذاهب، بينما يشهد الواقع أن الاحتجاجات في اليمن تصر على الطابع السلمي بأرقى صوره، وأن العنف مصدره " بلاطجة" النظام وأجهزته الأمنية، أما في سوريا فإن تاريخ التعايش بين أبناء الشعب أصيل وتاريخي، وهو ما عكسته هتافات الاحتجاجات مثل" واحد واحد واحد..الشعب السوري واحد" و" لا سنّية ولا علوية.. نحن نريد الحرية"، كما أن المحتجين هم من محافظات مختلفة: درعا ودمشق وبانياس واللاذقية ودير الزور والقامشلي وحلب والسويداء وغيرها ويعكسون ألوان طيف شرائح المجتمع : عربا وأكرادا، مسلمين ومسيحين، سنة وعلوية ودروزا.. لقد أثبت واقع الثورة الشعبية المصرية حرص المحتجين على سلمية نشاطهم طيلة فترة المظاهرات رغم أعدادهم المليونية، وسعيهم لمنع التخريب والحفاظ على ممتلكات الدولة وآثارها، بينما جاء التدمير من بلطجية النظام ومن السجناء أصحاب السوابق الذين أطلقتهم وزارة الداخلية آنذاك من السجون ليعيثوا سلبا ونهبا ويواجهوا المحتجين بالجمال والسكاكين و" المطاوي".. ومثلما عبّرت المظاهرات على وحدة النسيج المجتمعي المصري مسلمين وأقباطا، كانت التيارات الإسلامية هي والكنيسة القبطية في مقدمة الحريصين على تطويق بوادر فتنة أطلت برأسها بعد الثورة، وفي مقدمتهم : "الإخوان المسلمون" و"السلفيون"، بينما أشارت أصابع الاتهام إلى وزير الداخلية في عهد مبارك لوقوفه وراء تفجير كنيسة القديسين مع ما ترتب على ذلك من نتائج خطيرة. وفي ليبيا بدأت الاحتجاجات سلمية، لكنها اضطرت لحمل السلاح دفاعا عن نفسها في مواجهة دموية وبطش النظام الذي لم يعد خافيا استخدامه سياسة " الأرض المحروقة". المشكلة أن اللاحقين من أرباب الأنظمة لا يستفيدون من دروس السابقين البائدين، فالدعاية الرسمية لم تعد تنطلي على الرأي العام الداخلي، والوقائع تثبت أن المحتجين مستمرون في مسيرتهم لا يلوون على ما فيها من ادعاءات وأكاذيب ومغالطات فجة، كما أن تخويف الغرب من الإسلاميين أو الإضرار بمصالحه لن يحول بينهم وبين الرحيل، كما رحل من قبلهم مبارك وابن علي مع إصرار الشعوب على ذلك، رغم ولائهم الشديد للولايات المتحدة وفرنسا. المطلوب أن تفكر هذه الأنظمة بعقلية مختلفة، وتدرك أن التغيير من سنن الله، وأن سياسة البطش والقمع لم تعد تجدي نفعا، كما كان الحال عليه في فترات سابقة، وأن لا تدسّ رؤوسها في الرمال وتكذب على نفسها وشعبها وعلى من هم حولها، التفكير بالعقلية السابقة حتى لو نجح لبعض الوقت، ومنحها وقتا إضافيا مستقطعا، إلا أنه لن يكون طوق نجاتها بحال من الأحوال، المطلوب التوقف عن الدعاية المضللة والتحرك في إصلاح حقيقي جذري أو المسارعة في الرحيل بدون مكابرة أو مداورة.