10 سبتمبر 2025

تسجيل

مبادئ الإسلام مقابل توصيات مفكر أمريكي 1 - 4

20 مارس 2024

كتاب تفاؤلي تكمن روعته في الدعوة للانفتاح على الحياة من خلال ما ورد فيه من آراء واقتباسات، توقظ العقل وتعزّز الشعور الصادق والكامن في الفطرة الإنسانية، والتي ولا عجب، حملها من يختلف عنّا عرقاً وعقيدة وثقافة. هذا ما فعله الداعية المجدد د. محمد الغزالي عندما أفرد قلمه ليسطّر ما استلهمه من خواطر الكاتب الأمريكي الرائد عالمياً في تنمية الذات (ديل كارنيجي)، في كتابه الأشهر (دع القلق وابدأ الحياة)، لكن بمنهج إيماني خالص، وبأسلوب يبتعد عن التعصب أو رفض الآخر. وجد الغزالي فيه من آراء الفلاسفة والمصلحين وأحوال الخواص والعوام ما يتفق إلى حد كبير مع المبادئ الإسلامية، فعزم على وضع كتاب باللغة العربية يرد فيه هذا الكتاب إلى «أصوله الإسلامية» كما ارتأى، وقد انتهج في هذا نهجين: عرض النصوص الدينية وعرض ما يقابلها من النقول المذكورة في كتاب الأمريكي. لم يفت الغزالي وهو يضع كتابه أن يحرص على إحياء اللغة العربية وما تزخر به من حكمة، كصدّ للتوجه العالمي المعادي للعرب وللغتهم، فيقول مخاطباً قرّاءه: «وإذا كان ديل كارنيجي يحيا بقرّائه في جو أمريكي بحت، فمن واجبي أن أعيش مع قرائي في جو عربي خالص، لا أتركه إلا للمقارنات الإنسانية الأخرى وهي مقارنات لا صلة لها بجنس معين». إنه د. محمد الغزالي (1917- 1996) عالم دين ومفكر مصري، عُرف بمنهجه التجديدي للخطاب الديني وبأسلوبه الأدبي الرصين، وبمناهضته للآراء الدينية المتشددة التي واجه بها ردود فعل معادية. حفظ القرآن الكريم في صغره ودرس أصول الدين في جامعة الأزهر الشريف، ثم عمل في الدعوة والإرشاد، حتى انخرط في جماعة الإخوان المسلمين بعد أن تعرّف على مؤسسها حسن البنا، ليلتحق أخيراً بسلك التدريس الجامعي. لُقب بالغزالي تيمناً بالإمام أبو حامد الغزالي الذي رآه والده في منامه يبشّره بمقدمه ويوصيه بإطلاق اسمه عليه. وبينما يعرض فهرس الكتاب أربعة وعشرين موضوعاً، تعرض هذه المراجعة ما جال في المواضيع العشرة الأولى فقط. ففي المقدمة، يعبّر الغزالي عن الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها في تمييز الخير من الشر، والتي تظهر لدى أصحاب العقول والأنفس والأمزجة والطباع السليمة بصرف النظر عما يعتنقون من أديان، وهم الذين خصّهم النبي ﷺ في وصيته «استفت قلبك»، لما لهم من قدرة على التمييز الصحيح. غير أن تلك الفطرة عرضة لأن يعتريها الانحراف والعلل ما يقود إلى ظهور الفساد في الأرض، وهو الأمر الذي بعث الله لأجله أنبياءه الهادين المهديين. والشواهد تشير إلى كثير ممن لم يحظ من تراث الأنبياء بشيء لكنه حظي من صفاء الفطرة ما لا يجعله يضل عن الله الواحد الأحد، بل ولعلّه يكون أحسن حالاً وأرجى مآلاً ممّن مكّنه الله من هديه لكنه أخلد إلى الأرض، وكما يُقال: «الناس رجلان: رجل نام في النور ورجل استيقظ في الظلام». بيد أن انحراف الأمم السابقة عمّا أُرسل إليهم قد ختمه الله برسالة إسلامية خالدة تكفّل بحفظها، إلا أن انحراف المسلمين أنفسهم يشكّل افتراءً على الإسلام الذي قد يوصم بسبب انحرافهم بما ليس فيه. يقول الغزالي: «إن التاريخ سجَّل هزائم كثيرة للطوائف التي تُسمى رجال الدين»، وما أحدثوا في فقه النصوص من فوضى تعرض الدين في قالب مشوّه، فما كانت هزيمتهم تحيق بالدين، إنما جاءت كانتصار للدين وتأصيل للفطرة على «الغباء والجمود والنفاق». ينبّه الغزالي في موضوع (جدد حياتك) على أن تمنية النفس بالتحسّن في الحال، والتحوّل في المكان، وإقران الصفحة الجديدة من الحياة بموعد مع أقدار مجهولة، ليس سوى ضرب من التسويف! وعلى الرغم من استشعار القوة مع هذا التسويف وبالنشاط بعد الخمول، فهذا في حقيقته شعور واهم ما يلبث أن يؤول إلى انحدار أشد وأهوى، إذ إن «تجدد الحياة ينبع قبل كل شيء من داخل النفس»، فهذه النفس التي بين جنبات الإنسان، وحاضره الذي يحيا فيه، والظروف المحيطة به بحلوها ومرّها، هي فقط من ترسم له طريق المستقبل. وفي موضوع (عش في حدود يومك)، يرى الغزالي البعض وهو مستغرق في خط لا ينتهي من التفكير المسترسل الذي لا يقطعه سوى وحوش الوساوس، والتي ما تلبث أن تتحول إلى هواجس وقلق وهموم جاثمة، وذلك يُعدّ من الأخطاء التي يغفل فيها المرء عن حاضره لينوء بأعباء المستقبل.