09 سبتمبر 2025
تسجيلفي العام 2001 قررت التحول من دراسة القانون إلى دراسة الإعلام، ومن الإسكندرية إلى الدوحة، فانضممت إلى جامعة قطر في قسم الإعلام بعد أن فتح التعليم الموازي الذي سمح للموظفين في ذلك الوقت باستكمال تعليمهم الجامعي، عدت والفارق بين ترك مقعد دراسة كلية الحقوق في الإسكندرية ومقعد دراسة الاعلام في الدوحة سنوات، فكانت العودة أصعب من الاستكمال، لكنني في جامعة قطر صادفت العديد من الأساتذة الذين كانت كلمة واحدة منهم كافية لتغير الكثير فيني، منهم على سبيل المثال لا الحصر، أستاذ علم الاجتماع جاسم النصر، وأستاذ الإعلام نبيل الجردي. من بين الأساتذة الذين انضموا للجامعة في نفس العام كان الدكتور ربيعة الكواري، وقد ألتقيت به للمرة الأولى في العام 2002 في أول مقرر أحضره معه، ثم توالت المقررات التي درستها معه، لدرجة أن وصلت إلى مرحلة أبحث فيها أولا عن اسمه قبل المواد في كل فصل دراسي أسجل فيه. للدكتور ربيعة مواقف رائعة وأخوية مع أغلب الطلبة الذين درسوا معه، ومن المواقف التي لا أنساها له أننا كنا في ربيع 2003 مقرر التعبير والتحرير، وكنت في هذا العام في مرحلة تأسيس إذاعة صوت الخليج وكنت يومها رئيس قسم البرامج الرياضية بالإضافة لأني كنت أعمل في شركة أوكسدينتال للبترول ومتعاوناً كصحفي في القسم الرياضي في جريدة الراية، فكان أول درس له لي، بأن كان يعطيني واجبات صعبة في التحرير، عكس زملائي، وعندما كنت أعترض كان يقول: المساواة أن أعطيك نفس الواجبات معهم، لكن إذا أردت أن تتعلم سأعطيك أصعب منهم، وأنت هنا في الجامعة لتتعلم لا لتتفوق عليهم، وأنا أعلم أنك صحفي منذ سنوات، ومن الظلم لك أن أعطيك واجبات سهلة. غيرت فيني هذه الجملة الكثير، على الأقل في مستوى التعاطي مع الجامعة كمصدر علم لا ممر للبكالوريوس. في خريف 2003 تعرضت لأول تصادم بين العمل والعلم، فذهبت للدكتور الغالي محمد الكبيسي وقلت له إني مضطر لغياب 4 محاضرات من أصل الفصل كله بسبب تصادف حلقه من برنامجي الإذاعي مع وقت البرنامج، فكان جوابه حازما: ليس من شأني، احذف المقرر، وفعلاً حذفته وأعدت تسجيله معه أيضا في فصول لاحقة لما للدكتور محمد معزة في قلوبنا جميعاً كطلبة. وفي نفس الفصل حدث نفس الموقف مع أستاذ آخر في مادة المدخل إلى العلاقات العامة، وكان جوابه: إن غبت عن محاضرتين، اعتبر نفسك راسبا ولا تحضر الثالثة. انسحبت في خريف 2004 بسبب ضغوطات العمل، وسجلت في ربيع 2004 ثلاث مواد مع الدكتور ربيعة، فن المجلة، الإنتاج التلفزيوني، والإعلام الديني، واذكر أنه صادف أحد برامجي وقت مقرر الإعلام الديني فذهبت له وقلت له إني مضطر للغياب عن محاضرة من أصل محاضرتين كل أسبوع (نصف الفصل تقريباً)، فكان رده: إن كان السبب تقديم برنامج، فإن هذا جانب عملي أفضل بكثير من 45 دقيقة تقضيها معنا، ركز في النجاح في برنامجك، وتابع المقرر مع زملائك (حصلت على تقدير جيد جداً مرتفع في المقرر). وفي مادة فن المجلة طلب منا نموذج مجلة، وقدم الطلبة مشاريعهم وقدمت مشروعي، وقام بأفضل ما حدث لي يوماً في مسيرتي التعليمية من تشجيع وتقدير، بعد مراجعة كل المشاريع، وضعها كلها في جانب، ومشروعي في جانب، وقال للطلبة: كل مشاريعكم مرفوضة، فقط مشروع عبدالعزيز مقبول، ورسالتي لكم هي أن لديكم زميلاً إعلامياً يجب أن تستفيدوا منه، المجلة التي قام بعملها نموذج حقيقي يدرس، أنصحكم بالجلوس معه والاستفادة منه بقدر ما تستطيعون. وآخر موقف اذكره للرجل في العام 2018 وكنا في فترة حصار قطر، ونستعد لدخول الاستوديو في برنامج يستضيفنا معاً، فقال المذيع قبل الهواء: سأبدأ مع أ. عبدالعزيز، فقلت: لا بل مع الدكتور ربيعة فهو معلمي وأستاذي، فقال: لا لن نبدأ إلا بك، أنت اليوم أستاذ كبير وزميل عزيز وصديق افتخر به. رحم الله الدكتور ربيعة بن صباح الكواري، كل موقف معه كان درسا، وكل لقاء معه كان مليئاً بوصايا الأب، وكلمات الموجه، كان في أول صف صلاة الفجر، وأول المهنئين في الأفراح، وأول المعزين في الأتراح، والتعزية لأنفسنا ولجميع طلبته وزملائه مثلما هي لأبنائه والبوكوارة وأهل قطر الكرام. اكتب هذا المقال عن رجل اعتاد أن يكتب مقالات في الراحلين ويذكر مناقبهم، واليوم أكتب فيه لأنه يستحق، كأستاذ وصديق وأخ كبير ورجل عرف بالورع والوفاء.. رحمه الله وغفر له واسكنه فسيح جناته.