11 سبتمبر 2025

تسجيل

فوق الحزام أم تحته؟

20 مارس 2023

النظام الدولي اليوم هو نظام أُحادي القطبية، مهما اختلفت الآراء والتحليلات حيال القوى الصينية العظمى الناشئة وما تقوم به بكين من دور سياسيّ جديد في الشرق الأوسط والقارة الأوروبية، بما يُساعدها على المضي قدمًا في تنفيذ خططها وفق مسار «الحزام والطريق» التنموي، وسيطرتها الاقتصادية على الموانئ والمرافئ في الدول التي يمرّ بها الحزام. فوق هذا الحزام وتحته، سيستمر الصراع على النفوذ الاقتصادي والعسكري. وما لم تتخذ الصين قراراً بتحويل قوّتها الاقتصادية إلى مُخرجات عسكرية بنشر قواعدها وجيوشها حول العالم- وهذا محتمل فقط عند إنجازها طريق الحرير لحماية الموانئ والمرافئ التي تسيطر عليها باتفاقيات اقتصادية طويلة الأجل تصل مدّتها إلى مائة عام- فإن أميركا ستبقى القوى العظمى الوحيدة، ما لم تُفاجئنا الصين وروسيا بحلف واحد. المفاجأة قد تحدث مع ارتفاع الانفاق العسكري حول العالم، الذي وصل اليوم إلى أكثر من 2 تريليون دولار أميركي، أو مع اندلاع أي حرب نووية، وما ينجم عنها من اصطفافات جديدة، أو انقلابات في الدول التي يمرّ بها الحزام، أو شحّ للدولار حول العالم ما قد يُسبب بكساد اقتصادي يُبطئ الإنتاج الصيني، ويُسبب عجزًا عن تسديد القروض في دول موعودة بالتنمية الصينية. الصين تسارع في تعبيد «الحزام والطريق» وإن أخّرتها جائحة كورونا عمدًا أو صدفةً، وتتخذ قرارات تجارية خطيرة بتوقيع اتفاقيات اقتصادية تستخدم فيها عملتها في مبادلاتها التجارية مع الدول الآسيوية بدلًا من الدولار. روسيا تدافع عن عمقها الجيو-استراتيجي بحذر حتى الساعة وإن بدت الحرب على أوكرانيا شرسة إلا أن روسيا لم تفقد أعصابها العسكرية بعد، وما زالت تتحرّك ضمن قواعد اللعبة. أما بريطانيا، فمن الطبيعي أن تعمل على تعزيز قوّتها الذاتية بهدوء انجليزي لافت، بينما تحاول فرنسا النجاة والصمود ضمن مصاف الدول الكبرى واستعادة ما تخسره لصالح الصين في إفريقيا، بينما تنشغل المانيا بلملمة هيبتها الأوروبية للدفاع عن الأمن الأوروبي. النظام أحادي القطبية الحالي ما زال حيَا وثابتًا، فالولايات المتحدة الأميركية -القوى العظمى الوحيدة التي تُدير النظام العالمي اليوم- تترك هامش المناورة للصين، حيث تملأ بكين فراغات تركتها إدارة دونالد ترمب، عند انسحاب أميركا من الشراكة التي وقعت عليها 12 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخلافات أميركا التجارية مع مجموعة دول السبع الصناعية، أضف إلى ذلك انسحابه من الاتفاقية النووية مع إيران، وتوتر علاقاته مع الدول العربية بعد افتتاح السفارة الأميركية في القدس، وتصريحاته عن الحماية العسكرية الأميركية للكراسي العربية، وخرقه غشاء أُممية المنظمات الدولية والوكالات المتخصصة التي تستخدمها الإدارة منذ انهيار نظام الثنائية القطبية في بداية التسعينات، وتبلورت في نهاية الحرب العالمية الثانية، وبرزت جليًا خلال جائحة كوفيد-19 في قرارات منظمة الصحة العالمية، وسياسات صندوق النقد الدولي المتناقضة باتجاه الدول الحليفة والمعادية لواشنطن، وتدخلات البنك الدولي، والمحكمة الجنائية الدولية التي صدر عنها مؤخرًا مذكرة توقيف بحقّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتقارير وكالة الطاقة الذرية. الطريق يمر بنا في دولنا ومجتمعانا العربية، والحزام قد يجلدنا، والصراع بين قوى عظمى واحدة وأخرى محتملة ناشئة قد يكون اليوم لنا وغدًا علينا، فما هي خططنا، وكيف سنهيئ شعوبنا للتعامل مع المرحلة الانتقالية بين الأقطاب؟ وهل سنكون كعرب فوق الحزام أم تحته؟