(ابيها ابيها 2)

في مقال الأسبوع الماضي تحدثنا عن بوراشد وحواره مع الرجل الذي وجده جالسا على رصيف الشارع يضرب رأسه "بالزنوبة"، وحتى تتضح الصورة المكانية والحدثية للموقف تخيل معي عزيزي القارئ أن الرجل الكبير في السن جالسا على جانب الطريق ممسكا بيده اليمنى "الزنوبه"، وبوراشد يجلس القرفصاء وراءه ممسكا يدي الرجل محاولا منعه من إيذاء نفسه في موقف بطولي وشهم، ثم بعد ذلك يهدأ الرجل ويبدأ في سرد مأساته والتي وصلنا فيها الى تفكير الرجل بالعمل في القطاع الخاص ليتمكن من ان يغطي نفقات اسرته المعيشية. قال الرجل "قلت لنفسي ليش ما ارجع اشتغل مرة ثانية في وظيفة في القطاع الخاص، وراتب التقاعد مع الشغل الجديد راح يكفي ان شاء الله". قال بوراشد بأسلوب المدح والثناء "فكرة ممتازة" فرد الرجل بسرعة على بوراشد "ممتازة طل في ويه العدو (مقولة شعبية تقال عندما لا ينفع امر ما)"، قال بوراشد "افاا ليه على الطل الله يهداك، ديوان الخدمة المدنية ما قصروا حطوا منصة خاصة للباحثين عن العمل يساعدونهم من خلالها"، ما إن انتهى بوراشد من تعليقه على فكرة الرجل حتى نظر له الرجل نظرة جمعت فيها الغضب والحزن والألم وقال "تقول منصة للكوادر الباحثة عن العمل، ودي والله (أتمنى من الله) انهم يقاعدونك الحين علشان تعرف هل المنصة شتقدم للمتقاعد، يا بني آدم اذا هل المنصة اصل ما تقبل طلبك اذا متقاعد واذا نشدتهم (سألتهم) ليش؟ قالوا لك للحين ما جانا شي من فوق علشان نشمل المتقاعدين. وهم يدرون ان كلامهم هذا معناته اقلبوا وجوهكم وتقلفعوا (التقلفع كلمة شعبية بمعنى اغرب عن وجهي)، انا ما ادري من فوق يعني من وين، ولا من فوق بس شماعة يعلقون عليها اعذارهم"، صمت الرجل لثوان ثم قال "المهم بعد ما تسكرت ابواب (أغلقت) هل المنصة على قولتك طلع علينا خبر مكرمة تعديل وضع المتقاعدين جعل ربي يطول في عمر ولي امرنا هو بس اللي حاس فينا. فقلت الحمدلله يتسكر باب وينفتح الف باب، وعشت في حلم وردي مثلي مثل كل المتقاعدين اللي في وضعي، لكني كنت شايل هم اني الاقي تجوري (خزانة حديد لحفظ الأموال) يكفي الفلوس اللي بتجينا لأن التعديلات اللي سمعنا عنها في البداية بتفلنا فل (مصطلح شعبي يعني العيش في النعيم او الحياة الرغيدة)، وقلت خلاص الحمدلله فرجت والله يعيني هل كم يوم اقتصد على نفسي وعيالي لين ما تفرج، وهل اليوم صار له تقريبا سنة وللحين ننطر التعديلات، لأنها كل ما قدها بتطلع قالوا لك تم مناقشتها وتعديلها، ولجنة تدرسها ولجنة ثانية تناقشها ولجنة ثالثة ورابعة وخامسة واحنا مكانك سر. لين ما ضاقت بنا الوسيعة (أي ضاقت بنا الدنيا بما رحبت)، والحين مثل ما تشوف كل ما كثرت علي طلبات البيت والعيال طلعت في الشارع اضرب راسي بنعال وأقول ابيها ابيها امكن حد من المسؤولين يشوفني بالصدفة واكسر خاطره ويمشون لنا التعديلات". تأثر بوراشد جدا من كلام الرجل وقال له "يعني الحين انا طول الفترة اللي بخدمها في الأخير ما راح يطلع لي نهاية خدمة عدل ومعاش التقاعد اللي بستلمه بينزل اقل بكثير من المعاش اللي اللحين استلمه؟" ضحك الرجل من كلام بوراشد وتوقف عن ضرب رأسه ثم قال له "يا حليلك (أي يالجمالك) توك تفهم السالفة تو الناس، انت شعندك الحين ولا وين رايح؟" أجاب بوراشد وهو في صدمة مما فهم من الرجل "انا كنت رايح شغلي"، فقال له الرجل "حبيبي طيع شوري (أي خذ بمشورتي) وتفضل" وأخرج الرجل "زنوبه" أخرى من كيس بجانبه واعطاها لبوراشد الذي اخذها من الرجل وبدأ بضرب رأسه هو الاخر وهو يكرر وراء الرجل "ابيها ابيها". @drAliAlnaimi