13 سبتمبر 2025
تسجيلالعالم العربي غريب في أهله وأنظمته، وفي مدى تطلع شعوبه إلى الحرية والديمقراطية!؟. فما أن يصل الحاكم – خصوصاً في النظم "الديموسلطوية" أو تلك التي يحكمها العسكر، يُعِدُّ نفسَهُ للبقاء مدى الحياة على كرسي الرئاسة! ويتحدى كلَّ الجماهير، وحتى القَدر، أن يزحزحهُ عن ذاك الكرسي! وما أن يتمكن من الحُكم، حتى يُقرّب إليه جماعتَه وعسكَره، ويُغدِق عليهم من أموال الشعب ومن ثروات البلاد، بحيث ينسى دورَه في إسعاد شعبه، وتوفير الحياة الآمنة والمستقرة، ويُحقق الاقتصاد الناجح في بلاده. وإذا ما انتفض الشعب، يبدأ يواجهَه بالجيش، ويتوعَدهُ بالثبور.وفي خضم التجارب العربية للحُكم، وجدنا رؤساءَ ظلوا ثلاثين عاماً على الكرسي، وبلادهم لم تتطور قيدَ أنمله عن أوضاعها الاقتصادية المتردية، ومرافقها المشلولة، وحروبها مع الآخرين. كما وجدنا لغة غريبة لهذا الحاكم أو ذاك، كما أعلن الرئيس (معمر القذافي) يوم انتفض الشعب الليبي، " انتو جرذان"، " سوف نلاحقكم زنقة زنقة"، وخلال حُكمه، لم يسال أحدٌ عن أموال النفط الذي دَرَّ المليارات على ليبيا، أين ذهبت تلك الأموال؟ ولماذا حال البلاد " بلقعاً" خلال ثلاثين عاماً، مع توتر علاقاته مع المجتمع الدولي. ومثلهُ الرئيس المصري السابق (حسني مبارك)، الذي لم يَحلّ مشاكلَ مصر، طوال ثلاثين عاماً، وامتدت أصابعُ الفساد من القصر الجمهوري لتطولَ رغيفَ الشعب، وظهرت " القططُ السِمان"، كما كانت كذلك في عهد الرئيس الأسبق (أنور السادات)، وحظي أفرادُ عائلة (مبارك) بامتيازات خالفت دستورَ البلاد، وقَسَم الرئاسة. ولما ظهرت نتائج الانتخابات، وفاز (الإخوان المسلمون) بالرئاسة، عبرَ صناديق الاقتراع، لم ينصع (مبارك) للدستور، بل قاوم بشكلٍ ضروس، لإدخال الجيش، وتمكينه من الحُكم، بعد صدامات الميدان الشهيرة. وكرَّر نفسَ كلام سابقهِ بأنه سوف يُصلح الاقتصاد ويوفر فرص العمل لملايين المصريين. ومصر، بعد ثمانية وستين عاماً من حُكم العسكر، لم يتحسن فيها الاقتصاد، ولم تُسدد الديون التي تراكمت عليها، وارتفعت الأسعار فيها ارتفاعاً جنونياً، وعمّ السخطُ الشارع المصري، ناهيك عن الاعتقالات التي امتلأت بها السجون. وإذا ما أتينا إلى السودان، الذي يمورُ هذه الأيام، بمُطالبةِ الشعب بإسقاط نظام ( عمر البشير)، الذي يخرج في خطبٍ عصماء ليصفَ المُطالبين بتغيير النظام بأنهم "خونة" ويتوعدهم بالحسم القاسي، ويُعلن أنه سيسعى لإصلاح الاقتصاد، وهذا ما قاله قبل ثلاثين عاماً. كما أنه لا يُصغي إلى أصوات الجماهير الرافضة لاستمرار نظام حُكمهِ المُهترئ، وهو الذي ضحّى بأكثر من ثلث مساحة السودان، حيث شطَر السودان، ولم يَحل نزاع (دارفور) رُغم الجهود الخيّرة التي بذلتها دولة قطر في هذا الشأن، ورغم المساعدات التي "جناها" من بعض الدول العربية. ومرّت على الشعوب العربية أن السودان " سلة غذاء العرب"!؟ بينما عانى بعضُ المستثمرين الخليجيين من عدم توفر البنية التحتية لإقامة المشاريع الكبيرة والصغيرة، وتحضُرني حالة أخبرني بها أحد المستثمرين، بعد أن أصلح الأرض، احتاج إلى الكهرباء، فقالوا له: ليس لدينا كهرباء، أحْضِر مولدات، ولما أحضَر المولدات، طلب الديزل، فلم يُلبَّ طلبه، وقالوا له: ليس لدينا ديزل. فما كان منه إلا أغلق المشروع!؟ وأيضاً وجدنا في الآونة الأخيرة، مدى تمسّك الرئيس الجزائري ( عبدالعزيز بوتفليقة) بكرسي الحُكم، رغم سوء حالته الصحية، وعدم قدرته على الوفاء بأعباء الحُكم. حتى عاد، وعدّل من رأيه بأنه لن يترشح لولاية خامسة !؟ وقد أرجأ الانتخابات الرئاسية، واختار وزير الداخلية ( نور الدين بدوي ) لرئاسة الوزراء ورمطان لعمامرة نائباً لرئيس الوزراء، وكان رئيس الوزراء في حكومته ( أحمد أويحيى) قد استقال بعد إعلان (بوتفليقه) ترشُحه لولاية خامسة!؟ ويبدو أن حُكم العسكر سوف يستمر في هذا البلد. ومن المصطلحات التي ظهرت خلال ثورات الشعوب العربية، مصطلح (دولة القانون)، والتي لم تتشكل حتى اليوم، ومصطلح (الرخاء الاقتصادي) الذي لم يتحقق حتى اليوم، ومصطلح (مصر الديمقراطية)، والذي لم يتحقق حتى اليوم، ومصطلح (المجتمع المدني) الذي لم يتحقق حتى اليوم، ومصطلح (المشاركة الشعبية) الذي لم يتحقق حتى اليوم، ومصطلح ( أتفهم ما حرّك الجموع الغفيرة)، وكان يجب أن يقوم الرئيس بإصلاح الأوضاع حتى لا تتحرك تلك الجموع!؟ حتى خرج الرئيس خروجاً غير لائق من تاريخ الأمة. ويوجد مصطلح (قانون الطوارئ) الذي تلجأ إليه بعض الأنظمة لقهر شعوبها وإذلالها، وقمع المظاهرات والمطالبات السلمية المطالبة برحيل النظام ! ولماذا يكون قانون الطوارئ لمدة عام كامل؟ وهل هذه الفترة كافية لإصلاح الفساد، أو ستضمن عدم خروج الشعب للتظاهر؟ بل وهل نظام قانون الطوارئ سوف يحل مشاكل الشعب ومنغصات حياته؟! كما ظهر مصطلح (منبر الحوار)، والذي لم يقترب منه الرئيس طوال ثلاثين عاماً، عاثَ الفساد في النظام، حتى انفجر الشعب وعبّر عن غضبه، بل لم يستخدم الرئيس الكلمات المُهدئة والمعبّرة عن حُبه لشعبه، بل استخدم عبارات " التخوين" و "التخريب". ونظراً لسيطرة الحزب الواحد أو الجيش على الدولة " الجمهورية"، فإن واقع حالها لا يسمح لها بالتعدُّدية، وتتناسى شعاراتها الديمقراطية، ومواد دستورها، وتظل عقلية العسكر تسيطرُ على مجريات الأمور فيها. فالحاكم المعزول عن شعبه، والذي يتمترس في قصره، لا يرى سوءَ الأحوال في بلده، بل إن المُقربين منه، لا يرفعون له التقارير الحقيقية، احترازاً من " تكَدُرِه" أو خافاً من غضبه، الذي سوف يحرمهم من "نعمائه"! والحاكم الذي لا يستطيع الوقوف أثناء النشيد الوطني لبلاده، ولا تسمح له ظروفه الصحية يتحمل أعباء الحُكم، لماذا لا " يُريح ويَستريح"؟! ثلاثون عاماً من الحُكم كافية، بل أكثر من كافية، لتأمين حياته وحياة أحفاده! إذا كان هذا الحاكم يمتلك رؤية ثاقبة لحل مشكلات شعبه، وإنماء بلده، ورفع مستوى اقتصادها. والحاكم الذي لا يبعث بوزرائه ومستشاريه لزيارة مؤسساته التنفيذية، كي ينقلوا له التقارير الواقعية، عما يجري في تلك المؤسسات، فإنه يساهم في تفشّي الفساد وسوء الإدارة، وتردي الأوضاع الاقتصادية، ويُثير نقمة الشعوب عليه. والحاكم الذي يعلم أن ابنه يتقاضى رشا عن أي مشروع حيوي في بلاده، وتظهر عبارة ( أحمد 25%) في الشارع اليمني لثلاثين عاماً فإنه يسرق شعبه، ولقد سقط مشروعٌ خليجي في اليمن أثناء حُكم الرئيس (علي عبدالله صالح) بقيمة 400 مليون دولار، نظراً لطلب المسؤولين دفع الرشوه لابنه ! وحزمَ المستثمرون الخليجيون أمتعتهم وعادوا إلى بلدهم! هذا العمل حرَمَ مئات من اليمنيين من فُرص العمل، ناهيك عن مساهمة المشروع في اقتصاد البلاد. كما أن هذا التردي في الدولة وفسادها هو الذي أودى بحياة (صالح) وبالتالي أودى بالبلاد إلى "مهاوي الردى"؛ وأدّت الحرب في اليمن إلى سقوط الآلاف، وانهيار المؤسسات، وتفشي الأمراض، والفقر، ودمار البنية التحتية، والتي تحتاج لعشرات السنوات، بعد وقف الحرب المجنونة على اليمن. مصطلحات الأنظمة المُنهارة عديدة ومتنوعة، والدهشة، كل الدهشة، من تعامل الحُكام مع تلك المصطلحات، ومع شعوبهم. [email protected]