10 سبتمبر 2025

تسجيل

إليك أمي.. الغائبة الحاضرة

20 مارس 2012

عادت كل الجرائد والمجلات والشوارع لتعرض لنا هدايا العيد، وكلمات عميقة للأم في يومها الذي يأتي كل عام ليسعد الكثيرين ويبكي الكثيرين، عاد ليحكم حصاره على نفسي المحاصرة بحبك يا أمي، الذي لم يعد ينتظر يوم الأم كي يستفز بداخلي سنوات عشق وحب طويلة بدأت عندما احتضنتني يداك الحنونتان يوم مولدي. طالما كنت ممن يؤمن بالقدر، وإن رحيل الأعزاء قد يعتصرنا ألما وقد نعيش نحيا به، ولكن لا بد للأيام أن تأخذ دور الدواء الذي يسكن لنا الألم ويصالحنا عليه. دائما ما أتذكر مقولة الفيلسوف طاغور حين صادف أول حزن كبير في حياته ولم يعرفه، لأن الأيام مضت ولم يعد يراه جيدا، حين قال له مذكرا: ألا تعرفني، أنا أول حزن كبير في حياتك، فرد عليه قائلا: (ما كان حزنا يوما، أصبح الآن سلاما). نعم، فعندما يمر بنا العمر وتأخذنا أيامه، تتحول الأحزان الكبيرة داخلنا إلى سلام، غير أن حزني عليك يا أمي لم يصل بعد لمرحلة السلام، وما يزال يشعل بداخلي حروبا تشتعل شوقا إليك كلما وصلت إلى مسامعي كلمة أم. قبل رحيلك كان يوم الأم وأغنية (ست الحبايب) علامة لهذا اليوم حين أحتضنك وأغنيها لك بينما تملأني سعادة وجودك. واليوم أعجب كيف للأيام أن تحول حتى أغانينا السعيدة، وتجعلها تعود إلى مسامعنا وتحولنا إلى الحزن بذاته. لم يبق لي بعدك يا أمي إلا أن أعود بين الحين والحين زائرة مشتاقة إلى خزانتك، إلى ملابسك، إلى عباءتك، إلى رائحة عطرك العربي الذي يرفض أن يغادر مكانك. لم يبق إلا أن أحتضن أشياءك التي غدت حزنا كبيرا. لقد عاد يوم الأم مرة أخرى كما كان يعود معك، لكنه اليوم بعد أن تركتني ومضيـت، بعد أن رفعت كفك تلوحين لي بسلام الوداع الأخير، عاد حزينا بلا أم. أيامك يا أمي معي قصة حب طويلة، حكاية حب أول لا تنتهي، فكيف ننسى من عرفنا معة الحب الأول، فأنت من سكنت الجوانح، وكيف لمن سكن الجوانح أن يغيب. في يوم الأم يا أمي، في يومك أيتها الغائبة الحاضرة، فلك في داخلي حياة لن تغيب.. لم أعد أستطيع اليوم أن أقدم هدية، وقد أصبحت كل الهدايا في قلبي حزينة، لكنني أستطيع أن أهديك اليوم ما هو أعظم من كل الهدايا. أهديك يا أمي دعائي لك بالرحمة والمغفرة اليوم وكل يوم.. أما أكثر ما أثار حزني في يوم الأم حين أرسل طفلا فقد أمه منذ فترة لصديقه كلمات كبيرة في الألم، علمته إياها الأيام مبكرا حين قال: (كم أتمنى أن أعود إلى الوراء، لأعانق أشخاصا لم يخبرونا بموعد رحيلهم..ضمه يا يمه). [email protected]