19 سبتمبر 2025

تسجيل

باكستان تبحث عن رئيس وزراء

20 فبراير 2024

في حزيران من عام 2020 ألقى السياسي الباكستاني القدير خواجة سعد رفيق المنتمي لحزب الرابطة الإسلامية بمداخلة، لم تسترعِ اهتمام أحد في حينها، حين قال تحت قبة البرلمان الباكستاني من أنه سيأتي يوم على باكستان لن تجد فيه من يصبح رئيساً للوزراء. ربما حان الوقت اليوم لتتحقق نبوءته، التي كانت ضرباً من الخيال حين قيلت، حيث ندخل في الأسبوع الثاني من الإعلان عن نتائج الانتخابات، ولا مؤشر لدينا على من سيغدو رئيساً للوزراء في ظل ظروف لم تتعافَ بعد من صدمة نتائج انتخابات الثامن من فبراير/‏ شباط، إذ الاتهامات والاحتجاجات تتصاعد بشأن ما تردد عن عمليات تزوير في نتائج الانتخابات، بالإضافة إلى عجز القوى السياسية الرئيسية الوازنة في حسم تحالفاتها، إن كان على مستوى تشكيل الحكومة المركزية الفيدرالية في إسلام آباد، أو من حيث تشكيل الحكومات المحلية الأربع والتي هي بحاجة أيضاً لتحالفات محلية، مما يجعل البلد تدخل مرحلة الغموض السياسي، فالبرلمان الباكستاني غدا معلّقاً، إذ إنه ليس هناك جهة سياسية قادرة حتى الآن، على حسم قصة تشكيلة الحكومة الفيدرالية، أو الحكومات المحلية الأربع في ظل استحقاقات سياسية واقتصادية ضاغطة على البلد برمته. حزب الإنصاف بزعامة رئيسه عمران خان المسجون بتهم عدة صاحب الأغلبية البرلمانية والتي وصلت إلى حوالي مائة مقعد بحاجة إلى 34 مقعداً ليتمكن من تشكيل الحكومة الباكستانية، وهناك القوة الثانية التي أتت بعده بحسب نتائج الانتخابات، وهو حزب نواز شريف الذي يحتاج إلى أكثر من هذا لتشكيل حكومته، ويظل حزب الشعب الباكستاني بزعامة آصف علي زرداري زوج بي نظير بوتو الذي يأتي ترتيبه الثالث ضمن القوى الفائزة، الجهة الوحيدة القادرة على ترجيج كفة المتنافسين على منصب رئيس الوزراء، والظاهر أن عمران خان بعد أن قدم مرشحه عمر أيوب خان، وهو حفيد الماريشال أيوب خان صاحب أول انقلابات عسكرية باكستانية، ولعل في اختياره تزلفاً وتقرباً إلى المؤسسة العسكرية، بعد حالة صدام بين الطرفين، تراجع عمران خان عن هذا الترشيح اليوم، مفضلاً البقاء في مقعد المعارضة، مما يجعل حزب الرابطة الإسلامية أسير ابتزازات زرداري المعروفة. الواقع السياسي المتشرذم في باكستان إن كان ممثلاً بتراجع سطوة وشعبية الأحزاب الباكستانية الرئيسة كحزب الرابطة الإسلامية وحزب الشعب الباكستاني، بعد أن تسيّدا المشهد الباكستاني لعقود، أو بالواقع الاقتصادي الصعب للغاية الذي تعانيه باكستان، مع تضخم عال، وتراجع في قيمة الروبية الباكستانية، كل ذلك يزيد من مشاكل ومتاعب الحكومة الباكستانية المقبلة، خصوصاً مع علاقة متوترة بين العسكر والقوى السياسية، إن كان عمران خان الذي يرى أنه أُطيح به من قبل العسكر، وهم من يتحملون سجنه ومحاكمته وإدانته، أو بنواز شريف العائد إلى الحكم، والذي يرى أنه أُبعد عن البلاد لسنوات بضغط من العسكر إلى لندن، مثل هذه العلاقات المتوترة بين القوى السياسية والعسكر ستظل حاضرة في أذهان القوى السياسية، لاسيما وأن ثمة ملفات شائكة كالعلاقات الخارجية، والنووي ونحوها من اختصاصات العسكر، واقتراب القوى السياسية منها، سيُطلق أجراس الإنذار في راولبندي العاصمة العسكرية للبلاد، كما أطلقها من قبل، وما على القوى السياسية إلا التزام قواعد اللعبة الحاكمة في البلاد. الانتخابات الأخيرة بكل تأكيد، شتّتت التفويض السياسي الذي حظيت به القوى السياسية الباكستانية، وهي لم تشتته على المستوى الفيدرالي، من حيث تشكيل الحكومة الفيدرالية، وإنما شتتته حتى على المستوى المحلي، في تشكيل الحكومات المحلية الأربع، ولذا يرى البعض أن هذا التفويض سيكون ضعيفاً لأي حكومة باكستانية مقبلة، إذ ستكون عرضة لابتزازات حلفائها في إسلام آباد، وحلفائها في الأقاليم الأربعة، وعليه فإن مسألة لجوء باكستان إلى انتخابات مبكرة ربما لن تكون بعيدة، وذلك للخروج من الحالة السياسية التي وضعتها فيها انتخابات الثامن من فبراير/‏ شباط، والتي كان من المفترض أن تكون مخرجاً للغموض السياسي، وحالة الاحتراب بين حزب الانصاف كبرى الأحزاب، مع الجيش الباكستاني، لتغدو هذه الانتخابات فخاً ومصيدة لكل القوى السياسية، وبالتالي لا خروج من هذه المصيدة إلا باللجوء لانتخابات مبكرة قد يغير المزاج الباكستاني ذاته للانحياز إلى أحد القوى السياسية الرئيسية الثلاث، فيمنحها تفويضاً أعلى وأكبر.