10 سبتمبر 2025

تسجيل

هزة ريختر

20 فبراير 2023

اهتزت مشاعرنا ولم تهتز نظرتنا فيما يدور حولنا. قد تبدو الفرضيات التالية مزعجة لا سيما وأنها في ظروف تُعتبر بالنسبة إلى الكثيرين، غير مسموح خلالها «الفلسفة» و»التنظير». ولكن التنظير في وقت الكوارث هو استنتاج نبني عليه ما ينبغي أن يكون، ويخولنا للهزات الفكرية التي من الأجدر أن تأتي من الداخل لا من الخارج. المتخصصون في الجيولوجيا بالعالم العربي موجودون والباحثون أيضًا، ولكن ريختر لم يهزنا ولم يوقظنا من سباتنا العميق وهو شيء متوقع في ظل الدعم المُقدم من أغلب الحكومات ووسائل الإعلام للفعاليات «الاستعراضية» على حساب تمويل البحوث المتخصصة، وإعطاء الأهمية للعلماء على حساب «المُطبلين». لا مهرب من الأوبئة والزلازل، أو من قدر الله سبحانه وتعالى، ولا ريب أن التحلي بالإيمان والتعازي وخشية الله سبحانه وتعالى مطلوب مع كل نَفس، بل وواجب، ويتعاظم عند الشدائد. ولكن أليس من المهم أن يُشارك العلماء في تشخيص المشاهد الجيولوجية والاجتماعية والاقتصادية في ظل الكوارث الطبيعية؟ تفيض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بالمشاهد الروحانية التي تحولت إلى مشاهد مصطنعة، وإن كان العزاء الوحيد في الكوارث يتطلب العيش في الروحانيات، ولكن هذا لا يعني أن يخفت صوت العلماء الذين تحتاجهم المجتمعات كمصدر للطمأنينة أو للاستعداد. بعيدًا عن المقاربة النظرية بين العِلم والإيمان، والتي لا أرى فيها أي تعارض، بل على العكس لا عِلم دون إيمان، ولا إيمان دون عِلم أو فكر، من المُهم أن نطرح فرضية أخرى من هَول الكارثة، وهي فرضية تحويل أزمة اللاجئين إلى ظاهرة طبيعية وهي «مجتمعات الظل»، حيث تنمو وتتكاثر على هامش المجتمعات الأساسية، فلا تُدمج ضمن المجتمع الذي يُشكل نواة الدولة، ولا تتم معالجتها بحلول إنسانية وقانونية طويلة الأجل. في مجتمعات الظل هذه، تبدأ عملية التكاثر من أجل الحصول على زيادة أكبر في المساعدات، فكل زوجة يُقابلها معونة، وكل طفل يُسجل يُقابله مساعدة إضافية، وهكذا تعيش مجتمعات الظل وتتكاثر. في المقابل، وفي العديد من المجتمعات المزدهرة تربوياً وتعليمياً، تبذل الأُسر سعيها للإنجاب، فتلجأ الأُسرة إلى التلقيح والأنابيب، وتدفع مبالغ طائلة، وتبذل معارك نفسية جمة من أجل تحقيق حلم الأمومة والأبوة. بين هذين المشهدين، تُقرر المجتمعات الدينية والفكرية والإنسانية والمدنية والربحية وغير الربحية، التبرع لمن يستغل أطفاله وزوجاته من أجل الحصول على مساعدات إضافية للبقاء على قيد الحياة في مجتمعات الظل، بدلاً من وضع برامج تنموية وتعليمية وقانونية تُحمل من يرغب بالبقاء جاهلًا وعبئًا مسؤولية قانونية، وعوضًا عن مساندة من الأُسر المتوسطة في المجتمعات الباهظة. مجتمعات الظل تنمو على حساب الطبقة الوسطى، إذا لم توقظنا الأوبئة والزلازل من تلك الدائرة الحالكة التي ندور بداخلها وكيفية نظرتنا للأمور، فنحنُ إما مُتعمدون أو خامدون.. وما هي إلا هزة واحدة.