14 سبتمبر 2025
تسجيلوقف صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في مؤتمر ميونخ الأمني مخاطبا العالم وقادته الذين حضروا ذلك المؤتمر، والذين يتابعون وقائعه عن بعد شارحا الأسباب والعوامل التي تقود العالم إلى حافة الهاوية، لم يكن خطاب سموه خطابا تقليديا كغيره من زعماء العالم الذين حضروا ذلك المؤتمر وألقوا بياناتهم التي جلها كان عن الإرهاب وإدانته، وملاحقة أفراده وقادته. الأوروبيون كان همهم التصدي للاجئين الذين فروا من ويلات الحروب في أفريقيا والشرق الأوسط قاصدين القارة الأوروبية لكونها أكثر استقرارا وأمنا ومجالا للرزق. كان هم القادة الأوروبيين الذين حضروا مؤتمر ميونخ التأكيد على أنهم قادرون على ضمان أمنهم اعتمادا على الذات الأوروبية وبعيدا عن أمريكا وحلف الناتو، أنجلا ميركل المستشارة الألمانية قالت في مناسبة سابقة عن مؤتمر ميونخ "إن الأيام التي كنا نعتمد على الآخرين ولت إلى غير رجعة". لم يخف الأوروبيون انزعاجهم من الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، فراح وزير خارجية ألمانيا السيد غابرييل يكيل انتقادات قاسية إلى الرئيس الأمريكي ترامب، إلى الحد الذي حمّله مسؤولية التوترات في العلاقات الدولية وعبّر عن غضب ألمانيا، ولعله يعبر عن مجموع الاتحاد الأوروبي بقوله "إننا فقدنا الثقة في الحكومة الأمريكية تحت قيادة ترامب، وبتنا لا نعرف كيف نقيّم مواقفها، هل بالأقوال أم بالأفعال أم بالتغريدات". هذا هو حال الأوروبيين في مؤتمر ميونخ . (2) شرح صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حال منطقة الخليج العربي، والتي أصبحت منطقة جغرافية تتناهشها الأزمات والأحقاد والضغائن والأطماع من معظم حكام الخليج العربي، وجاء في خطابه "لقد كانت الأزمة الخليجية "حصار قطر" عديمة الجدوى، افتعلت من قبل جيراننا، وبعضهم لاعبون إقليميون رئيسيون، كان يُعتقد في وقت ما أنهم عامل استقرار على الساحة الدولية، ولم يعد الأمر كذلك، فقد أدت سياستهم المغامرة إلى تقويض الأمن الإقليمي والاقتصادي لمجلس التعاون الخليجي ككل" كان سموه مترفعا عن ذكر أسماء أولئك القادة أو حتى ذكر دولهم، والأمر لا يخص دول الخليج العربية وإنما الشرق الأوسط، "صفقة القرن"، واعتبار القدس عاصمة إسرائيل التي ما كان لها أن تكون لولا العابثون بأمن الخليج العربي اليوم، وهم بعض من قياداته. لا جدال بأنه يحدث بين زعماء الدول خلافات ووشايات وأحيانا أقوال، ولكنهم عندما يفاتح بعضهم بعضا عن تلك الأحول فسرعان ما تصفى النفوس بين القادة وتعود الحال إلى حال أفضل. أذكر مثلا ونقلا من محضر جلسة جمعت بين عبد الناصر والملك فيصل في 18 ديسمبر 1969 . المعروف أنه بعد ثورة اليمن 1962 على النظام الملكي وإعلان قيام الجمهورية، طلب ثوار اليمن من الجمهورية العربية المتحدة في حينه "مصر" تطبيق الاتفاقية الموقعة بين اليمن ومصر لحماية الثورة، استجابت مصر وتدخلت السعودية لصالح الملكيين وبعد خمس سنوات من الحرب الدامية بين الأطراف المختلفة توصلت الأطراف المختلفة لوضع نهاية للحرب وعلى أثر ذلك وجه الرئيس جمال عبد الناصر دعوة للملك فيصل لزيارة القاهرة، وتمت الزيارة وأنقل للقارئ الكريم فقرة من محضر الجلسة الأولى في شأن الخلاف بين السعودية والجمهورية العربية المتحدة (مصر) لقد استعرض الزعيمان الخلافات بينهما والوشايات التي كانت تصلهما بهدف تعميق الخلاف بين الزعيمين، قال عبد الناصر: "بعد 67 هناك فتور، وأيضا هناك شكوك، قد تكون عندنا شكوك وقد يكون عندكم أيضا شكوك، ويوجد مستفيدون من هذا الوضع" . قال الملك فيصل: "والله على كل حال، كما تفضلتم بذكر أشياء، قبل كل شيء اللي فات يجب أن نعتبره مات من سوء تفاهم أو أشياء صارت، أو كنا احنا في وقت من الأوقات كنا قصاد بعض "أي كنا نحارب بعضنا البعض"، إن النشاز أن نكون مختلفين، والصح أن نكون على وفاق ومتعاونين، ولا بد من التعاون". (3) ما قصدته أعلاه أن خلافات تحدث بين الدول منبعها وشايات وتقارير مخابراتية في معظم الأحيان تقارير كاذبة قد تصل تلك الخلافات بالدول إلى حافة الهاوية، لكن وجود قيادات تاريخية قادرة على إعمال العقل في أي خلاف ووضع المصالح الكلية للطرفين في مكانها الصحيح، والتعالي على جراح الماضي مهما كانت عميقة. والكاتب لا يشك بأنه حدث خلاف وأقوال ووشايات بين حكام الخليج بعضهم ضد بعض لكن تلك المسألة قد سويت وأصبحت من الماضي، وكما قال الملك فيصل رحمه الله "الذي فات يجب أن نعتبره مات" فهل لنا أسوة فيما قال بها ناصر وفيصل؟. قال حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في خطابه في مؤتمر ميونخ "الوقت قد حان لإيجاد أمن إقليمي أوسع في الشرق الأوسط، كما حان الوقت لكل شعوب المنطقة كي تنسى الماضي، بما في ذلك نحن، والاتفاق على ضوابط أمن أساسية وقواعد حوكمة، وعلى الأقل على حد أدنى من مستوى أمني يتيح توفير السلام والازدهار". (4) تناول سموه في بيانه أمام مؤتمر ميونخ المشار إليه "الإرهاب" وأكد على التعاون الدولي لمحاربته واقتلاعه من جذوره ولكي يتم القضاء على الإرهاب فلا بد من "اجتثاث الظلم والتهميش اللذين ينتج عنهما التطرف واليأس ووقف الانتهاكات الحقوقية والسياسية التي تعانيها بعض شعوب المنطقة" إذا لا سبيل إلى جعل العالم يعيش في أمن وسلام إلا بتحقيق العدالة والمساواة والمشاركة في صناعة المستقبل، لعلي أضرب مثلا، دولة قطر لم تشهد أي عملية إرهابية نفذها مواطن قطري، لأن فيها حكما رشيدا، فالمواطن يتمتع بأعلى دخل في العالم إضافة إلى أنه يتمتع بتعليم مجاني وتطبيب وكهرباء ومياه، إن قطر الدولة الوحيدة في جغرافية الشرق الأوسط التي يتمتع مواطنوها بكل تلك الامتيازات مجانا، فمن أين يأتي الإرهاب؟ حقا لن يكون داخليا وإنما قد يأتي عبر الحدود ومن هنا سيتصدى له الجميع. آخر القول: أذكّر بكلمة الملك فيصل لجمال عبد الناصر "اللي فات مات" فهل يعتبر حكام الخليج؟ ونعتبر ما فات مات ونعود إلى الصفاء والمحبة والألفة كما كنا وأفضل مما كنا .