11 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); يتعرض الإسلام ورموزه المقدسة لكثير من التشويه والتحريف والتضليل في أغلب وسائل الإعلام الفرنسية، التي تروج صورا نمطية عن الإسلام والمسلمين تثير الشك والريبة والخوف، وتخلق أسباب النفور من كل ما له صلة بالدين الإسلامي.ويواجه الإسلام اليوم جملة من التحديات تختلف عن كل الأشكال الأخرى من التحديات التي عرضت له في تاريخه، فهي تضع المسلمين أمام اختيار عسير يمس هويتهم وصورتهم ومكانتهم بين الأمم، ويهدد مستقبلهم ويعوق تحقيق أهداف رسالة دينهم ذات الأبعاد الكونية والحضارية.ومن بين أخطر هذه التحديات انتشار ظاهرة التشويه الإعلامي لصورة الإسلام والمسلمين في العديد من وسائل الإعلام الفرنسية، مما أدى إلى تحريف الحقائق وتضليل الرأي العام وتأليبه ضد المسلمين في كل مكان، بمن فيهم المسلمون الذين يحملون الجنسية الفرنسية ويعيشون في المجتمع الفرنسي منذ عقود، والمسلمون الذين هم من الأبناء الأصليين للمجتمع الفرنسي.إن محاولة رصد الملامح العامة لصورة الإسلام في الوعي الثقافي الفرنسي تتسم إجمالا بالضبابية والارتباك، إذ إن غشاء سميكا من الأحكام القبلية يحول دون إدراك حقيقة الإسلام وجوهره ومقاصده النبيلة. كما أن صنع الصور النمطية المسيئة للإسلام والمسلمين وترسيخها في ذهنية المواطنين الفرنسيين من أصول غير مسلمة ظاهرة قديمة ومتجددة. ويمكن القول إن الإسلام كان ولا يزال أكثر الأديان تعرضا للإساءة في فرنسا، كما أن المسلمين هم أكثر شعوب الأرض حظا من التشويه والتجريح في المجتمعات الغربية.وتعتبر فرنسا من أهم الدول الأوروبية التي تتجسد فيها تناقضات العقل الأوروبي إزاء الإسلام، وتتبلور فيها بجلاء التفاعلات والارتباطات القوية والمستمرة لسيرورة الرؤية الغربية للإسلام ومختلف مراحل بناء الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين. ذلك أن تلك الرؤية ترتبط ارتباطا وثيقا بإشكالية الحوار الإسلامي في الغرب التي تتصل بإشكالية كبرى هي إشكالية المغايرة أو الآخرية (نسبة إلى الآخر). فالمغايرة مفهوم حاضر في كل الثقافات وقائم على أساس ثنائية الاختلاف بين الأنا والآخر. وعلى هذا الأساس فإن الرؤية الفرنسية للإسلام هي محصلة تراكمات تاريخية غذتها ومازالت مجموعة من المواقف القبلية الجاهزة والقوالب المشوهة، مما جعل مقاربة الإسلام في فرنسا تراوح مكانها بل إنها تتنافس مع المقاربة اللاهوتية في لغتها ومحتوياتها. كما أن الرؤية الفرنسية للإسلام هي حصيلة مجموعة من العناصر المتداخلة والمتشابكة أهمها عنصران: التراكمات السلبية حول الإسلام داخل الفضاء التاريخي الغربي، وبعض الممارسات السائدة داخل الفضاء الإسلامي.ويمكن القول إن الرؤية الفرنسية للإسلام تستند على أربعة مكونات أساسية هي:أ- الخطاب القروسطي وهو ذو طبيعة دينية إقصائية من إنتاج المؤسسة الدينية وعلى رأسها البابا حيث إن الكنيسة ظلت تظهر الإسلام والمسلمين بمظهر الكارثة الطبيعية المدمرة.ب- الخطاب التنويري وتجسده فلسفة الأنوار التي تمثل أحد أهم الأركان المؤسسة للفكر الغربي المعاصر ومرجعية يعتز بها الفرنسيون. هذه الفلسفة، كما هو معلوم، ظلت حبيسة رؤية توفيقية براغماتية تجمع بين مدح الإسلام وذمه، والإعجاب به واستهجانه، والانبهار به والسخرية منه. وقد تجسد ذلك في مواقف فولتير (Voltaire) الذي أقر بأن الإسلام لم ينتشر بواسطة السيف، لكنه في الوقت نفسه يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم "متمردا" و"خائنا" و"مجرما".ج- الخطاب الاستشراقي ويمثل الرؤية الأكاديمية العلمية للإسلام وهو بمثابة تعبير فوقي يكشف عقلية أصحابه أكثر من التعبير عن حقيقة موضوعه. وقد نفى إدوارد سعيد في كتابه المشهور "الاستشراق" الطابع العلمي للكتابات الاستشراقية التي تعتبر العرب والمسلمين متخلفين ذهنيا، وغير متحضرين وخاملين تتحكم بهم عيوب فطرية تمنعهم من التطلع وتجعل حركيتهم مراوحة في المكان نفسه. ولذلك اعتبر إدوارد سعيد بأن الاستشراق ليس فقط فشلا علميا، ولكنه أيضا فشل إنساني. وسيتم التطرق بتفصيل لصورة الإسلام والمسلمين في الدراسات الاستشراقية في المبحث الأول من الفصل الثاني من هذه الدراسة.د- خطاب الكتاب المدرسي الذي يعتبر أحد أهم مصادر الرؤية الفرنسية للإسلام. فصورة الإسلام خاصة العرب في الكتب المدرسية الفرنسية هي امتداد للصورة التاريخية التراكمية السلبية لهذا الدين وحضارته وأتباعه. كما أن هذه الكتب حافلة بمصطلحات تحمل أحكاما قيمية خطيرة بشأن الإسلام والمسلمين كالتطرف وعدم التسامح والتواكل والعنف والقمع.أما المكون الأخير للرؤية الفرنسية للإسلام فهو الخطاب الإعلامي الفرنسي.لقد صارت الصحافة الفرنسية تضع على عاتق المسلمين الأزمة الاقتصادية برمتها والبطالة واختلال الأمن والعمليات الإرهابية، وأصبح الناخبون الفرنسيون، في مواقع عدة يصوتون لأكثر المرشحين عدوانية ضد الإسلام والمسلمين. كما أن المجلات الفرنسية التي تخصص أعدادا تدور محاورها حول الإسلام ترتفع معدلات مبيعاتها. إن صناعة صورة الإسلام في الإعلام الفرنسي، بالإضافة إلى ارتباطها وتأثرها بالتراكمات التاريخية ذات الصلة بالحروب الصليبية، والدراسات الاستشراقية والأفكار النمطية المضمنة في الكتب والمقررات الدراسية وتداعيات الفترة الاستعمارية الامبريالية لأجزاء من العالم الإسلامي (دور المغرب العربي خصوصا)، فإن هذه الصناعة، حسب الباحث الفرنسي توماس ديلتامب في مؤلف له تحت عنوان "الإسلام الفرنسي المتخيل"، عرفت محطات أسهمت بخصوصياتها في عملية تطور بناء صورة الإسلام في الإعلام الفرنسي المرئي والمسموع والمكتوب. وقد خلص توماس ديلتامب إلى أن الصورة التي رسخت في العقل الفرنسي عن الإسلام والمسلمين ليست هي الصورة الحقيقية، وإنما الصورة التي أراد الإعلام أن يرسخها في أذهان الجمهور الفرنسي.