02 نوفمبر 2025

تسجيل

الترويع الأمريكي المتلفز.. والذبح بالطرق السينمائية

20 فبراير 2015

أحدثت الولايات المتحدة نقلة ثورية هائلة في استخدام الصورة والتلاعب بها تلفزيونيا وسينمائيا خلال الإعداد للحروب وفي تغطية وقائعها وتحقيق أهدافها، حتى صارت الحروب ممسرحة أو حالة متلفزة او سينمائية التقديم للمشاهد القابع أمام أجهزة التلفاز –الرأي العام وعموم المجتمعات على اتساعها في مختلف أنحاء العالم وبكل اللغات- لتنقل له رسائل الصدمة والترويع من جهة، وكل رسائل الحرب النفسية من جهة أخرى – بتحويله إلى وضعية المتواجد في أرض المعارك –حتى صار المشاهد في بيته جزءا مكونا من أعمال الحرب. مثل ذلك تطويرا وتوسيعا لمفهوم الحرب ونمطا من أنماط تطوير الجهد لإحداث التغييرات السياسية المستهدفة من الحرب. وكانت بداية انطلاق حالة مسرحة الحروب وتقديمها سينمائيا عبر التلفاز، حين جرى إطلاق قناة السي.إن.إن الأمريكية بالتزامن مع حرب العراق في مطلع التسعينيات، لتكون هي المرة الأولى التي يجري فيها تقديم العمليات الحربية وكأنها ألاعيب نارية – تشبه الاحتفالات - تنقل المتابع إلى قلب أرض المعركة ليرى ما يراد له أن يرى، حيث يرى حربا وقوة نارية ساحقة -بل يمكن القول مبهرة -دون أن يرى أي قتيل أو مصاب. لقد جرى نقل الرسالة الإعلامية (السياسية والنفسية) إلى أوسع قطاع ممكن من السكان لتقديم رسالة خوف من ذاك القادر على القصف والتدمير، دون ترك مسافة نفسية له للوقوف ضد الدمار والقتل، بل جرى السعي لاقتناص الإعجاب من المشاهد بما يرى أمامه.وقد توسع الأمر، وشهد اندفاعة كبرى، بعد ظهور القنوات الفضائية العربية ومع تنامي حالة ارتباط الجمهور بمواقع التواصل الاجتماعي. كما أصبح الإخراج المسرحي والتلفزيوني أكثر دقة وإبهارا إلى حد العمل السينمائي الهوليودي، حتى صار بالإمكان تقديم رواية كاملة التزييف للواقع والحرب، ليشاهد المتابع رسالة إعلامية طاغية على عقله لا يملك معها المقاومة ورفض المتابعة. لقد روى المراسلون خلال حرب احتلال العراق (2003)، كيف أنهم غطوا تلك الحرب من مكاتبهم أو من أماكن بعيدة عن ساحات القتال، إذ كانت الأفلام المصورة معدة من قبل مكاتب الجيش الأمريكي هي ما يصلهم في مقراتهم ليقوموا بنشرها في وسائل الإعلام التي وفدوا منها، دون أن يروا ويتابعوا شيئا في أرض المعارك.وقد ظلت الولايات المتحدة منفردة بتلك الحالة طوال وجود قواتها في العراق وأفغانستان –بما مكنها من تحقيق السطوة الإعلامية الكاملة -وكانت آخر الروايات المخرجة تلفزيونيا أو سينمائيا، هي رواية أو فيلم سجن أبو غريب، التي أعدت بإتقان شديد لترويج رسائل شتى، بعضها كان موجها لإرهاب المقاومة العراقية –رجالا ونساء –وبعضها جاء ضمن محاولة غسل سمعة الجيش الأمريكي مما لحق بها من عار ارتكاب أعمال قتل ممنهجة للمدنيين الآمنين. كانت الولايات المتحدة هي من كشفت الجرائم ونشرت الأفلام والصور، وهي من حولت مرتكبيها للقضاء. وكان لافتا في تلك المرحلة أن أظهرت الجماعات المعادية للولايات المتحدة تعلما واستخداما لنفس الطرق وإن كان بطرق بدائية في البداية بطبيعة الحال، إذ جرى الاكتفاء بالرسائل الصوتية أو المتلفزة التي لا تظهر سوى صورة من يتحدث، وكان أهم ما ظهر في تلك المرحلة رسائل الشيخ أسامة بن لادن وتسجيلات من شاركوا في أحداث 11 سبتمبر..إلخ.لكن الأمور تغيرت بعد انسحاب القوات الأمريكية، إذ صارت عملية إنتاج الأفلام واللقطات حالة يومية لتغطية حالات الاقتتال الداخلي التي جرى نشرها في الإقليم تحت إشراف القوة الأمريكية المحتلة، لنصبح أمام موجة واسعة وفي مناطق متعددة من الحروب الممسرحة والمتلفزة والمخرجة سينمائيا، إذ لم تجر أي عملية من أي نوع إلا وكان الإعلام ناقلها عبر مقاطع فيلمية، اعتمدت هنا على إبراز مشاهد القتل والذبح والدمار، لتوجيه المشاهد ضد مرتكبيها على عكس ما حدث في المرحلة السابقة. فبقدر انتشار وتوسع الحروب الأهلية –ما بعد نهاية الموجة الأولى من الربيع العربي- بقدر ما جرى التوسع في نشر اللقطات التي جاء التطور التكنولوجي للهواتف الجوالة ولكاميرات التصوير ليحدث دفعة هائلة لها. صار الإنسان وكأنه جزء متصل بواقع مجريات الحرب والصراع لحظة بلحظة، وهو ما سمح للمنتج الأكبر والأكثر حرفية، أن يدس أفلامه وسط هذا الخضم ليحقق أهدافه دون أن يضبط متلبسا.أصبح اللافت أن هذا التوسع أو الطوفان من اللقطات والأفلام السينمائية لدى كثير من الدول والجماعات والكيانات، صار مرسوما بدقة الحرب وحرفية السينما، وإن جاء حاملا لرسائل الحرب النفسية وبقدرة هائلة على تغيير مواقف الكتل السكانية والمجتمعات والدول، وفق دورة مفتوحة للنشر تجعل المتابع متأثرا بالتعود فلا يسأل عن مصدر ومكان وجهة إنتاج تلك الأفلام ومدى صدقيتها.وتلك أحد أخطر أدوات الفوضى!.