12 سبتمبر 2025

تسجيل

انتوني شديد...وحقّ الموتى في سبيل الكلمة

20 فبراير 2012

لم يُصرع انتوني شديد، مراسل صحيفة نيويورك تايمز منذ ايام في ساحة الحرب أو ساحة المعركة مقتولا ولم يُهاجم في ساحة ثورة أو ساحة تحرير رغم مروره على كل الثورات العربية وميادينها وخوضه واحتجازه في اصعبها وهي ليبيا، ولم ينتهِ به المطاف في سوريا كزميله الصحفي الفرنسي الذي قضى في قلب مدن الثورة السورية منذ شهر تقريبا ولكن العامل المشترك بين موته وموت غيره من شهداء الكلمة في مهنة الصحافة هو انه ضحّى بنفسه وطلب الموت فداء للحقيقة ودفاعا عن الكلمة، وقَضى وهو يمارس مهنته بكل اخلاص في حادثة صحيّة إثر اصابته بأزمة ربو شديدة نظرا لمتابعته للمرشدين للصحفيين المقلين الخيول على الحدود بين سوريا وتركيا، إن موت شديد شهادة من نوع اخر تجعل من تكبد امتطاء خيل خلف خيالة المرشدين وتحمل صهيلها وجلبتها وغبارها وهو يصارع ازمة ربو بل ازمة موت — من أجل تغطية الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في سوريا وجمع معلومات عن الجيش السوري الحرّ المعارض واخرين من المعارضين لحكومة بشار الاسد — تجعل منه عَلَماً يُخلّد في تاريخ الصحافة ودرسا للعظة والعبرة. للكلمة شهداؤها دائما وان تعددت الاسباب وكما يقولون الموت واحد ولكن شرفه ليس واحدا.... تخيلت بأسى كم كان موقف "تايلر هكس" مصور النيويرك تايمز صعبا وهو يحاول اسعاف انتوني شديد بما توافر ذاتيا وهو يموت امامه دون وجود ما يعين على حمله وتحت غطاء حقوقي دولي من ادوات العصر الحديث المهيأة طبيا تلك التي تسعفه أو تلك التي تقله الى اقرب مركز او مستشفى. وفاته على هذا النحو تجعل الحادثة منعطفا اعلاميا مهمّا لا بد من التوقف عندها في قضيّة حقوق اهل مهنة الصحافة والمراسلين المناضلين في جبهات الحرب والقتال والازمات أي الوعورة السياسية، وكذلك في جبهات أخرى لا تقل عنها خطورة وهي الوعورة الجغرافية والمكانية فما بالنا اذا كانت الاثنتان متزامنتين. لذلك لا بد ان تتوقف مراكز ومنظمات الدفاع عن حريّات وحقوق الصحفيين في العالم لا من اجل تسطير حق الصحفيين الاحرار في مواقع الحروب وعدم الزجّ بهم في ميادين الصراعات فحسب أو عند الحد الادنى من توفير الستر الواقية وخلافه من استحقاقات أمنية لا جدال فيها وفي توفيرها فذلك امر مفروغ منه، بل لا بد من بحث حقّ الصحفي الانسان في تلك المناطق وغيرها سواء كانت نائية أو وعرة أو حدودية أو نزاعية وسواء كانت في ساحة حرب او ساحة ثورة أو ساحة سلم، حقه في توفير اساسيات الصحة الأولية له في ظل الحالات المرضية والطارئة التي قد يتعرض لها ليس توفيرها بالضرورة وهو يصارع ازمات دولية ظالمة وجائرة بل لا بد منها لمن يصارع ويقاوم ايضا ذاته وجسده ومرضه من اجل مهنته والوصول لعين الحقيقة. انتوني شديد سيُولد له كتابُ اسمه "منزل الحجر: ذكريات البيت والعائلة وشرق أوسط جديد مفقود" وهو المزمع نشره الشهر القادم وكأنه طفل جديد لشديد سيولد لزوجة ثكلى.. ثكلى الزوج والشرق الاوسط المفقود كما عناهُ وكأنه يأبى نعي الشرق الاوسط الا على كفنه رغم أنه يحمل الجنسية الامريكية وهو من اصل لبنانى. شديد لم يكن صحفيا عاديا إذ حصل على جائزة بوليتزر وهي أرفع جائزة في الصحافة الأمريكية مرتين الأولى عام 2004 والثانية عام 2010. نؤكد ثانية ان حادثة شديد قضاء وقدر محتوم رغم صعوبته الا انه لا بد ان يحرك المنظمات الحقوقية للدفاع عن الصحفيين لتوفير كافة الضمانات الأمنية والصحية فضلا عن الحماية والارشاد بتوفير مراكز الحماية والاسعافات الأولية ليس في مناطق النزاع فحسب بل حتى مناطق الحدود لإسعاف رسل السلام على الأرض واصحاب الكلمة. فهلاّ اجتهدنا جميعا كإعلاميين لحمل هذه الرسالة وتكثيف المطالبة بها والنص على مستجداتها كحق دولي ضمن حقوق تشرعها مكتسبات حقوقية دولية لحق حماية الصحفيين والكلمة الحرة وحماية حق الرأي والتعبير وارسال وتلقي المعلومات ونشرها، مسطّرة في كل من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي وغيرها من قوانين الحريات، مما يجعل لزاما على الدوليين توفير مخيمات طبية متنقلة ومستلزمات الاسعافات الأولية بما فيها الطائرات الهليوكبتر للصحفيين الذين هم رسل الكلمة والشهداء الشهود على دفع الة السلام قدما في الارض. واخيرا... وفي مفارقة غريبة انتوني شديد في كتابه الذي سيصدر الشهر القادم سيقول: "بعض العذاب يتعذّر تغطيته بالكلام" ونحن نقول كإعلاميين: ( "وهكذا عذابك أو موتك يا شديد — " ولكن يجب أن نُخْرِجُ من مأساة قصتك الحيَّ من الميّت ) ففي موتك قصة وعبرة وموعظة من نوع اخر لمراكز الحقوق والحريات الصحفية، فماذا هُمْ بعد درسكَ فَاعِلونْ؟.... Twitter: @medad_alqalam [email protected]