18 سبتمبر 2025

تسجيل

تقارير البطانة!! مبارك بس؟؟

20 فبراير 2011

ربما ثار من ثار عندما أعلنت الجزيرة مبكراً إبان بزوغ ثورة شباب مصر أن مبارك وحاشيته لا يعيرون تقارير أحوال الشعب أدنى اهتمام.. ونعى البعض على ان الحاشية لا تنقل الواقع.. إنها باختصار تقارير البطانة وما يقاس عليها ممن والاها من الحكام كما في المثل العربي: "وافق شنٌ طبقة". خصوصا اننا في عصر البرق والطائرات النفاثة بل الثورة التكنولوجية والاتصالية و.. و.. التي لن ينسحب عليها ما انسحب على عهد الصحابة الذين كانوا لا يتوانَون في تفقد أحوال الرعية راجلين وركبانا ليلا ونهاراً، حتى سمع ورأى الخليفة عمر بأم عينه وأم أذنه بجوع من تضع الحصى في الماء ريثما ينام عياله فقام بأمرهم بنفسه. لن تطالب الشعوب العربية بجولة حاكم في شوارع وحارات وسكك وفرجان دولهم لتفقد أحوالهم، ولكنهم بالتأكيد ينعون على الوسيلة التي امتطاها الحكام ثقة عمياء بمن يَنقل إليهم. ولعل كلمة الحق التي تتضح منذ الوهلة الأولى أن الشعوب التي تتحدث عنها التقارير هم مواطنون لا قطعان ولهم حقوق في مصادر وطنهم القومية وكيفية إنفاقها وصرفها ناهيك عن الحقوق المدنية والسياسية، والمشاركة في كافة مناحي الحياة، خصوصا أنهم في كثير من دول الوطن العربي لا صوت لهم في ممثل يمثلهم أو يدلي بدلوهم أو حتى في إعلام حر يفي بصوتهم. بادرتنا ثورتا مصر وتونس ببركان فجر براكين أخرى في كافة منطقة الشرق الأوسط، بما فيها إيران على المستوى الأوسع لمعنى كلمة الشرق، هذا ولا تعد دول الخليج النفطية الغنية بمعزل عنها، خصوصا مع تجدد الثورات ودعوات الفيس بوك ونهضة تويتر الفكرية التي باتت تشكل جرس إنذار خطير لحالة من عدم الرضى عن مستوى الحقوق أو التمثيل أو عدالته.. صغرت هذه الدعوات أو كبرت، جاءت في صورة مطالبة بإصلاحات أو حقوق أو عدالة أو غيرها.. المهم في ذلك كله ألا تكون مؤشراً من مؤشرات زعزعة أمن الدول وإحداث الفوضى ما دام تحقيقها ليس بالأمر العسير على القائمين بأمرها. والمطالبات وإن ضجت بعضها في نداءات الميادين والشوارع وإن ظلت بعضها حبيسة المسارات الإلكترونية او النوايا التي قد يخشى من تكتلها مستقبلا، جلّها تؤكد أن الصورة الشعبية للمحكومين العرب لدى الحكّام تعاني من القصور سواء كانت تعمية مقصودة يشترك فيها الحاكم وحاشيته، أو تعاني من الضبابية، تختل فيها الرؤية لدى الحكام بفعل فاعل. أما وإن لكل حاكم بطانة، وبطانة الرجل لغة تعني: خاصته الذين يطلعون على أسراره ويستبطنون أمره، وهي مأخوذة من بطانة الثوب، وهي ما يلي الجسد منه. فإننا لا نعتقد أن البطانات الملتصقة بثوب الحاكم تصدُقه فيما تصدره من تقارير الشعب، خصوصا مع تداخل المصالح، بل هناك الكثير من الأمور التي تغيب ويُظهَرُ فيها المواطنون وكأنهم في ظل عيش رغيد وملك سديد وكأنهم من نبلاء القرون الوسطى، سواء تعلق الأمر بحقوقهم في رغيف العيش الذي يسد رمقهم او غيره من مقومات العيش الكريم، أو الحقوق المدنية التي تتوازى ومقدراتهم واستحقاقاتهم كلاً وفق مستوى دخل دولته وثرواتها وعدد سكانها.. لذلك انقسمت المجتمعات العربية ومنها الخليجية الى طبقية ليست طبيعية بحكم نظرية "الاختلاف والتسخير الكوني الرباني" مصداقا لقوله تعالى: "ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا" (الزخرف: 32) بل الطبقية غير العادلة بحكم التلاعب في ثروات الدول، والتي تلعب فيها البطانات أو بعض الحكام دوراً فاعلاً في تكريس تلك الفجوة. تظن الحكومات العربية أن تقدير الرواتب والأجور على العمل او توفير فرص العمل الطيبة او إنفاق أموال الدولة وموارد دخلها وثروتها على الأساسيات من التعليم والصحة، والبنية التحتية او الخدمات الأخرى حسنات او مكارم حين إنها حقوق للمواطن في المال العام، تماما كما ينفق الحكام على أنفسهم من المال العام سواء فيما يستحق الأجر او في المكتسبات الأخرى التي طالهم شرفها بمجرد وجود الكرسي، هذا حين أنه ليس من يلي أمر الكرسي غالبا هو المنتفع الأعظم بقدر ما هي لعبة كراسي دائرية مغلقة يغلف بها الحكام ببطائن هم العين في شعوبهم، وهم المستأمنين على التقارير التي تصدر عن أحوال الشعب ليقرر الحكام ما يرونه مناسبا، فلا يتوانون — إلا من رحم الله — عن التعتيم أو التكتيم والنفاق بل التعمية وتزييف الحقائق.. وكلما ظل التقرير ظل التعديل.. أما أضعف الإيمان والشكل الآخر من أشكال تلاعب البطانة فهو إبعاد المواطنين بالمعنى المكشوف، فما أن يبادر أحدهم بطلب رؤية "الخليفة" — تأسياً بدور الخلفاء او من يليه في شأن الوطن — بهدف رفع مظلمة أو بث مناشدة أو أمر جلل يستحق العرض على أهل الحل والعقد، حتى تبتر رجلاه عن بكرة أبيه، لا أعني بها المعنى الحرفي للبتر، بل أعني أن البطائن غدوا فوق كونهم المحررين او المقررين أو عين الحكام، غدوا هم لا غيرهم "حراس البوابة" الذين يغلقونها ليس فيزيقيا فحسب — وهذا جائز في عرف الحكام ومسؤولياتهم الجسام، إذ لا يكفي وقت الحكام حتى لو خصصت جلسة واحدة للرعية — عفوا أعني المواطنين — بل أقصاه أن يصل الأمر إلى حجب البطانة لأي مطلب جلل، لا عادي، سواء كان هذا المطلب يرد برسالة عن بعد، سواء كانت مخطوطة او مطبوعة او إلكترونية او هاتفية او شفوية فترمى في حاويات أو نفايات منفية سلفاً لا تخضع حتى لما يسمى "إعادة التدوير". أما الشكل الآخر من أشكال ظلم البطائن التي لا يمكن أن تكتشف بسهولة فهي تلك التي لا تحجم تقارير حالة الشعب ومظالمه فحسب بل تلك التي تحجم أيضا تقارير العمل والأعمال الوطنية، وتعطي صوراً خادعة ومغلوطة حتى عن أحوال العمل الوطني والمستأمنين على أعمالهم وأماناتهم الذين لا يمكن ان يصل تقرير أحدهم الى ولي الأمر، وإن طلب رسمياً الا من خلال "فلترهم" الذي لا ينقي أو يصفي بقدر ما يجتزئ — ورحم الله من لا يدخل الهوى أو الأهواء لا في التنقية — بل في التصفية القسرية — وفقا لمصالح الحراس، ناهيك عن استحالة أن يصل الشخص ذاته ليدلي بعهدة أمانته في عرف البتر وإيصاد البوابات، لأن الهمّ الخاص أضحى عند البعض أكبر من الهمّ العام، وإذكاء حظوتهم وخزائنهم ومدخراتهم بالتعمية والتضليل والتدليس أهم من المصلحة العامة والوعي والضمير الجمعي لله وللوطن وللشأن العام. وما حدث في بلد الثورات المعلنة والحكومات المخلوعة خير شاهد ولا تنفع مصادرة الثروات ومحاسبة الفساد بعد استفحاله على الرأي العام الدولي بأسره، وتجرع الشعوب وأمن الدول واستقرارها مرارته، خصوصا ان في كل بلاد همها، ولا ينفع منا نحن العرب ونحن من يوصف بالعدل والكرم والنخوة والفروسية ان ننعي على الجمال بعد ان تسقط لأن سكاكينها سهل أن تكثر، إذ ليس في ذلك بطولة، على حد مقولة أهل الخليج: "لي طاح الجمل كثرت سكاكينه". وفي النهاية سواء كان هذا وذاك، إنه إن حصل في أي وطن وبأي شكل أو مستوى لتعتيم جائر ومصادرة لحقوق الشعوب في فلتر حراس محدودين لتظلم بعدها شعوب تحت عين عوارء لا تنقل الا ما تريد او ما يوافق مصالحها لمن تريد، ولا يَبرَأ منها كثير من الحكام — إلا من رحم الله — مما يشكل على المدى البعيد قهرا اجتماعيا وغليانا داخليا، قد يذكي إلى ما يطفو، وما طفا على سطح الثورات الشعبية أو ما تتنهد به صفحات الفيس بوك وتغاريد تويتر أو نقاشات المدونين والمنتدين في المدونات أو المنتديات العنكبوتية التي يجدر الأخذ بمكنونها وتنهداتها الشعبية لكل ذي لب، يسعى لأمن واستقرار وطنه وعدالة حكمه. الآية القرانية حسمت أهمية أو خطورة أمر البطانة بقوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً، ودوا ما عنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)) (آل عمران/118). والبطانة: هم الدخلاء.. والدخيل هو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته ويفضي إليه بسره ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر رعيته، ويعمل بمقتضاه.. والخبال هو الشر. وعنه صلى الله عليه وسلم، قال: "ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى". والله نسأل لسائر حكامنا العرب العصمة وبطانة الخير والمعروف.. وعوداً على بدء.. كم "مبارك" أو "زين" ستكشفه الجزيرة قبل سقوط الجمل.. وهل ستحل الجزيرة في تحول لنظام عالمي جديد محل او مع أدوات البطانة وبعدالة على قاعدة: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت"؟؟ كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com