20 سبتمبر 2025
تسجيلإذا وصل المجتمع الى مرحلة تأويل الفساد فأقم عليه مأتما وعويلا، والمعنى البسيط الذي اريد ادراجه لعملية التأويل هو إخفاء الغرض الحقيقي من ممارسات فاسدة تحت مسميات اخرى وطنية، أو استخدام الاسم التاريخي النزيه ليغطي أغراضا شخصية غير نزيهة. ولي هنا بعض الملاحظات: أولا: النشاط الاقتصادي باسم الدين: من خلال نظرة سريعة حول اقتصادات دول الخليج، نجد أكثر المناطق التي تشهد ممارسات فاسدة هي تلك التي تحمل او تصطبغ بصغة الدين أو ما تسمى بالاسلامية، سواء كانت مؤسسات اقتصادية أو اجتماعية، فالمجتمعات متدينة بالفطرة وتلجأ دائما الى حلول اقتصادية لا تحمل شبهات، ولكن يأتي الفساد مستغلا الفطرة الانسانية السليمة من خلال اليافطة العظمى وهي لافتة الدين لكي يمارس نشاطه وشيطنته، فكم سمعنا عن افلاس شركات اسلامية وعن بنوك اسلامية تنهب من الداخل وعن بيوت زكاة محصولها يذهب الى اهداف سياسية اخرى ليس لها علاقة بمصارف الزكاة الحقيقية. ثانيا: الميزانيات العامة: هذا الاسم الكبير الذي ينتظره المواطن بكل شغف اعتقادا منه بأن زيادته ونماءه كل عام سيعود عليه بشكل أو بآخر تحت هذا المسمى يندرج اخطر انواع الفساد من خلال طرح المشاريع وتزكية العطاءات، وعملية التفضيل بعيدا عن المعايير العلمية والاقتصادية المحايدة، كيف تؤول المشاريع لتصبح موافقة لفئة دون اخرى وقد رأينا أثر ذلك في كثير من المشروعات. ثالثا: الاخطر هو ممارسة النشاط دون علم بأن ذلك يدخل ضمن مفهوم "الفساد المؤول" بمعنى صرف وعي المجتمع عن حقيقة وضعه والمخاطر المحدقة به أو عن هشاشته الاقتصادية وإقباله على كارثة اقتصادية مثلا قد يعي المجتمع ذلك أو قد لا يعيه، قد يعلم المسؤولون ذلك أو لا يعلمونه، لا أعني هنا بالفساد السرقة او النهب، ولكن اعني سرقة الوعي وزيغانه بمباركات رسمية غير واعية. ماذا يمكن أن نسمي مسابقة "اسرع حالب" و"أجمل تيس" في أحد المهرجانات مثلا؟ هذا نشاط لا يقصد منه ذاتيا الفساد، والقائمون عليه كان قصدهم بريئا تحت مسمى التراث، لكنه ثقافيا يعني صرف الوعي بل والاخطر من ذلك هو أنه يحول مواطني هذه الدول التي تقوم بذلك الى أقلية رسمية معتمدة عندما تقام "مسابقة باسمهم داخل مجتمعهم" هناك فرق بين مفهوم الاقلية العددية وبين مفهوم الاقلية الثقافية، مثل هذه البرامج تركز مفهوم الاقلية الثقافية وهو مفهوم اخطر بكثير من مجرد مفهوم الاقلية العددية، وما اخشى منه مستقبلا الاتجاه نحو مفهوم الاقلية الطائفية، فعلينا بالحذر والحيطة. رابعا: الفساد المستورد من خلال روشتات عالمية او غربية بالذات خطير جدا، واذا لم يمتلك المجتمع ارادة في مقاومتها فمصيره مجهول، وهي نوع من الفساد المؤول تحت اسم التنمية ومن اشهرها روشتة البنك الدولي لاصلاح الاقتصاد، وروشتات المعاهد البحثية الغربية كمؤسسة راند وغيرها لأن هذه المعاهد تغفل الجانب الاجتماعي وطبيعة مجتمعاتنا وحقيقة الترابط بين مكونات المجتمع، ما أراه يحدث اليوم من اعادة لترتيب المجتمع وطبقاته اجتماعيا واقتصاديا أمر خطير يعيد الصراع على تاريخ المجتمع بشكل يصبح الجميع خاسرا مع مرور الوقت، ويبعد اهل المجتمع عن حقيقة ما يجري في مجتمعهم. خامسا: يحتمل الفساد المؤول هنا استخدام الاسم الشخصي المشهور في وعي المجتمع بالنزاهة والتدين تماما كما يستخدم اسم الدين ليمرر روشتاته واطماعه، فهذا شيخ دين وهذا ابن ذلك الرجل الورع، مع أنه ليس كل شيخ دين أهلا باسم الدين، وليس كل ابن أهلا لاسم أبيه ثقافيا وورعا وتقى. سادسا: عندما وضعت تحويشة العمر في شركة "المدينة" ذهب خوفي وزادت ثقتي، عندما رأيت لافتة المدينة الاسلامية في المكتب المجاور، فذهبت في اجازتي، وعندما عدت لم أصدق ولا زلت لا أصدق أن نُسرق باسم الدين، ولا أن شيخ الدين يكذب، ولا ان المصرف المركزي لم يغلق الشركة وهو يعلم، لا، لا كل هذه تأويلات، الحقيقة مختلفة تماما، الحقيقة اننا لم نصل الى مرحلة "الاحسان" بعد، نعم نحن نعبد الله دون ان نعتقد أننا نراه، ودون أن نجزم جزما صلبا بأنه يرانا ويعلم ما نُسر وما نُعلن. [email protected]