12 أكتوبر 2025
تسجيليشعر كثير من الكبار، لاختلاف وجهات نظرهم بالنسبة لسلوك أطفالهم، بأن الطريقة الوحيدة لتوجيه أبنائهم نحو السلوك الخلقي هو أن يقرنوا العقاب الصارم بالأشياء السيئة التي يرتكبها الطفل، فإذا زاد ألم العقاب عن السرور الناتج من عمل الولد المشاغب، فإن الطفل سرعان ما يتعلم أن يتجنب السلوك السيئ.غير أن الدراسات التربوية الحديثة تشير إلى أن استخدام أساليب التهديد والعقاب والإهانة من الوالدين والمدرسين يؤدي إلى شعور الطفل بالدونية وعدم الكفاءة وعدم الرضا عن الذات وعلى العكس من ذلك فالتلاميذ الذين يشعرون بتقدير الآباء والأمهات والمدرسين يزدادون ثقة في قدراتهم، وأدائهم، وكفاءاتهم ويتدعم لديهم مفهوم الذات، ويُتوقَّع منهم تحقيق نسبة أكبر من النجاح في تحصيلهم الدراسة.وحول استخدام الثواب أو التشجيع نقول إن الأطفال حساسون جداً نحو سلوكهم، ويجدون سروراً كبيراً في أن يحتفي الكبار بنجاحاتهم،إن الكبار سِراع التأثر بنجاحات أبنائهم، كما أنهم سِراع التأثير في أطفالهم بالتشجيع والتحفيز، ومن الضروري أن يكون التشجيع قائماً على الاستحقاق، إذ لا يجوز الثناء على سلوكيات الأطفال ما لم يبذل الأطفال جهودا وصبرا وحبا للعمل، ويمكن تحقيق الثواب والتشجيع عن طريق الكلمات الطيبة، والابتسامات فإنجاز الطفل لعمل إيجابي معين مثل المساعدة في تحضير المائدة، أو ترتيب وتنظيم الغرفة، ينبغي أن يقابل بالتشجيع والحوافز المختلفة، وقد تكون المكافأة لعبة أو هدية ما والمكافأة يكون لها مفعول أكبر عندما تقدم فور حدوث السلوك المرغوب فيه، ثم تأتي بعد ذلك المكافآت المعنوية للطفل لأنه يكون قد تعلم أن يشعر بالرضا والارتياح لاتباعه السلوك الحسن.ومن المفيد أن نذكر بأنه في التربية يجب أن يكون هناك حد للحب والصرامة. وتظهر البحوث التربوية أن الصرامة الزائدة تنفِّر الأطفال وتجعلهم منطوين مخادعين أشراراً معاندين، ويؤدي السلوك الصارم من الوالدين بعامة ومن الأب بخاصة إلى خلق جو عدم الثقة في نفسية الطفل، ويُنذر يحرمان الطفل من الفرح وحب البيت، لهذا يجب أن يكون الحب والصرامة في التربية متعادلين وأن تسود العائلة روح الجد والتسامح مع المزاح المعقول وأن يكون حب الأطفال موجهاً نحو المثل العليا.وهناك عديد من الدراسات والبحوث الأجنبية والعربية التي جاءت نتائجها تؤكد العلاقة بين سمات شخصية الفرد بما في ذلك سلوكه الاجتماعي وتصرفاته في المواقف الحياتية المختلفة وأكدت تلك الدراسات أن سمة الانبساط والانطواء لدى الأفراد وسمة المشاركة الاجتماعية ترتبطان بإدراك الآباء لنفسية الأبناء ومدى تأثرهم بالعقاب.العوامل الأسرية المؤثرة في عملية التنشئة الاجتماعية للطفل: يمكن تحديد أهم العوامل الأسرية المؤثرة في التنشئة الاجتماعية للطفل بما يلي:-1- أثر سيطرة أحد الوالدين على عملية التنشئة الاجتماعية:إن سيطرة أحد الوالدين على عملية التنشئة الاجتماعية للطفل لها أثرها المباشر في تحديد نوع الدور الذي يسلكه في حياته الراهنة والمقبلة فإذا كان الأب مسيطراً فإن ذلك يؤدي إلى تقمص الذكور لدور الأب ويغلب في سلوكهم النمط الذكوري (الرجولي) أما إذا كانت الأم هي المسيطرة فإن ذلك يؤدي غالباً بالأطفال الذكور إلى السلوك العصابي أو الذهاني أحياناً.وعندما تتعارض سيطرة الأب مع سيطرة الأم فإن الطفل يواجه صراعاً مع اختيار الدور الذي يرتضيه من دوريهما، وقد ينحرف سلوكه عبر مسالك غير سوية، وخير نموذج للعلاقات الأسرية المناسبة للتنشئة الاجتماعية السوية هو النموذج الذي يشبع في جو الأسرة نوعاً من التكامل بين سلوك الأب وسلوك الأم، بحيث ينتهي إلى تدعيم المناخ الديمقراطي المناسب لتنشئة أطفال أسوياء.2- أثر المستوى الثقافي (التعليمي) للوالدين في عملية التنشئة الاجتماعية: يقصد بالمستوى الثقافي درجة التعليم التي حصل عليها الفرد في اطلاعه على الأمور العلمية والأدبية والاجتماعية وهذا ينعكس على نمط حياته الأسرية وفي دراسة حول اتجاهات الوالدين في عدد من المواقف الأساسية في حياة الطفل (النوم والتغذية) تبين أن هناك ارتباطا واضحا بين أساليب المعاملة ومستوى الأبوين الثقافي وأن الأبوين المثقفيْن يستعملان اللين والاهتمام الزائد بحاجات الطفل الضرورية على حين يستعمل الأبوان الجاهلان أساليب أشد قساوة ولا يهتمان كثيراً بحاجات الطفل كحاجته للنوم ففي حال وقع شجار بين الإخوة داخل الأسرة يستعمل 45% من الآباء الجاهلين أسلوب العقاب البدني للمعتدي في حين لا يستعمل هذا الأسلوب إلا 17% من الآباء المتعلمين، ويلجأ 49% من أبناء الطبقات الأرقى للنصح والإرشاد اللفظي مقابل 27% من أفراد الطبقة الدنيا.وحول تسامح الوالدين نحو أبنائهما وجد ارتباط إيجابي ذو دلالة بين مستوى تعليم الأم والأب ومدى تسامحهما مع أبنائهما وكذلك في اختيار المهنة والأصدقاء ولهذا يمكن القول إن مستوى وعي الوالدين يعد عاملاً أساسياً في أسلوب معاملة الطفل وتنشئته الاجتماعية.إذ كلما زاد وعي الوالدين، زاد الاهتمام بعملية تربية الأبناء وذلك من خلال تأكيدهم أهمية الإشباع النفسي والسعادة والانضباط الذاتي للأبناء أما الوالدان المفتقران إلى الوعي التربوي، فإنهما يهتمان فقط بالمسايرة الاجتماعية أو الطاعة العمياء لأبنائهما، أو يميلان إلى استخدام القسوة والضبط الزائد لتصويب سلوكيات أبنائهم التي يرونها خاطئة.3- أثر المستوى الاقتصادي الاجتماعي للأسرة التنشئة الاجتماعية: المعاملة والمستوى الاقتصادي للأبوين: أكدت الدراسات وجود ارتباطات موجية ذات دلالة إحصائية بين المستوى الاقتصادي للأبوين ودرجة تسامحهما وربما يصل إلى 33% ومعنى هذا زيادة التسامح بارتفاع المستوى الاقتصادي وفي دراسة لآلن سميث عن استعمال العقوبات البدنية في الطبقة الدنيا والوسطى تبين أن أسر الطبقة الوسطى قلما تلجأ إلى العقوبات البدنية وإن لجأت إليها فإنها تستعملها باعتدال أما أسر الطبقة الفقيرة فتستعملها كثيرا وتبالغ في قسوتها أحياناً.