20 سبتمبر 2025
تسجيلمرة ثانية وخلال شهر نكتب هنا عن الجزيرة، بعد أن غدت على ما يبدو هدفاً ضمن بنك أهداف الكيان الصهيوني، فمنذ العدوان على غزة وحتى اليوم نشهد للمرة الثانية استهدافاً للقناة. كان الأول عبر قتل عائلة الزميل وائل الدحدوح، والثاني الذي استهدفه بشكل مباشر، فجرحته وتمكنت من مصور قناة الجزيرة الزميل سامر أبو دقة فقتلته. هذه الاستهدافات المباشرة تؤكد أن الاستهداف الصهيوني للجزيرة ولوسائل الإعلام العربية والدولية غدا من المسافة صفر إسرائيلياً، وذلك رداً على تغطية القناة إعلامياً ومهنياً من المسافة صفر، في تغطية تجسد جرأة ومهنية عالية قلما خاضتها قنوات فضائية أو صحفيون إعلاميون بهذا الشكل والجرأة. لقد أجادت القناة في تغطية العدوان على غزة، مما جعلها تتفرد في كثير من الأحيان، بعد أن منع الاحتلال وسائل الإعلام الدولية من تغطية العدوان على غزة، إلا من خلال بوابة مرافقة قوات الاحتلال، لتخضع التقارير لمقص الرقيب العسكري. منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة والذي دخل يومه الـ 72 وهو يمارس قتل الإعلاميين من المسافة صفر، حيث قتل ما لايقل عن 92 إعلامياً خلال هذه الفترة بمعدل أكثر من صحفي في اليوم الواحد، وهو رقم أكثر مما تعرض له الإعلاميون في الحرب العالمية الثانية التي استمرت لست سنوات وقتل فيها 69 صحفياً، مما يزيد من القلق والخوف على مصير الصحفيين، ومصير الحقيقة خلال الحروب، فحين يقوم القاتل بجريمته في قتل الإعلاميين، ويفلت من العقوبة، فهذا يعني حصانة للقاتل من المحاسبة فضلاً عن العقوبة. قدر الجزيرة منذ أن ظهرت أن تشارك قضايا الأمة بدمائها، وليس بتغطية عادلة نزيهة كما هي وظيفتها، ففي أفغانستان عام 2001 تعرض مكتبها للضرب، ونالت الحملة الأمريكية فيها من اعتقال الزميلين تيسير علوني، ومصور الجزيرة سامي الحاج، وقد تم الإفراج عنهما بعد سنوات دون توجيه التهم لهما، فضلاً عن الاعتذار أو تعويضهما، وفي بغداد تم قصف مكتب الجزيرة بشكل مباشر، واستشهد الزميل طارق أيوب رحمه الله، وحين اندلع الربيع العربي رأينا كيف قدمت الجزيرة مصورها علي حسن الجابر القطري شهيداً خلال تغطيته ثورة الليبيين ضد النظام فيها، وفي سوريا قدمت الجزيرة كذلك شهيديها محمد الحوراني ومحمد القاسم، وفي فلسطين كانت الجزيرة قد قدمت الزميلة شيرين أبو عاقلة في مسيرة تضحياتها الطويلة، بحثاً عن الحقيقة ووقوفاً مع قضايا الأمة. الحرب الإعلامية التي يشنها الكيان الصهيوني على الإعلام بشكل عام لم تحظ بالتغطية والتركيز المطلوبين، فالإعلام الدولي ممنوع أن يصل إلى غزة والتغطية فيها، وهي التي باتت محكومة بما يتعلق إعلامياً، من خلال معبرين الأول معبر رفح باتجاه مصر والثاني معبر إيرتز باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكلاهما ممنوعان على الإعلاميين، مما جعل الإعلام الدولي يفتقر للوجود ميدانياً في غزة للتغطية المحايدة، ومن أراد التغطية منه فأمامه فقط التغطية عبر مرافقة جيش الاحتلال الصهيوني، وهو ما سيُخضعه لمقص الرقيب كما أسلفنا، أو التغطية عبر مصدر ثان، وهو إما من خلال الإعلاميين الفلسطينيين الموجودين في غزة، أو عمال الإغاثة الدوليين، وهناك مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن كل هذا حرم بالنتيجة وسائل الإعلام الدولية حضورها الفيزيائي وممارسه مهامها الإعلامية وفقاً للأصول والحرفية الإعلامية التي امتلكتها خلال سنوات تغطيتها للحروب من قبل. ما يحزّ في النفس أنه في اليوم التالي لمقتل بعض الرهائن الاسرائيليين على أيدي قوات الاحتلال بالخطأ كما قيل، نرى تغطية كبيرة في الصحف الغربية لهذ الحدث، ويغيب بالكامل تغطية مقتل زميل مفترض لهذه الوسائل مثل سامر أبو دقة وجرح زميل آخر وهو المراسل وائل الدحدوح، وهو عمل يفتقر إلى أبسط قواعد المهنية والاحترافية المطلوبة في التضامن مع زملاء المهنة، في الوقت الذي تتضامن مهنة الخياطين والنجارين وغيرهم مع بعضها البعض، لكن اليوم يغيب هذا التضامن عن مهنة الإعلاميين للأسف. في مواجهة هذا التشاؤم الإعلامي كله نرى بصيص أمل في بروز طائر الفينيق الإعلامي الجزيري الزميل وائل الدحدوح للمرة الثانية من تحت رماد غزة التي تتعرض للإبادة الصهيونية، ممسكاً بسلاحه الميكرفون معلناً أن التغطية مستمرة، وهو الرد الحقيقي والعملي والمباشر على جرائم الاحتلال الصهيوني، فبالأمس لم يمنعه خسارة أهله من العودة إلى التغطية، واليوم لم تمنعه قروحه وجروحه من العودة كذلك، ما دام هدف المحتل إسكات صوت الجزيرة، هذه القناة التي تؤكد مع مراسليها أنها لن ترفع الراية البيضاء وتستسلم، وتسكت عن التغطية، فالتغطية مستمرة رغم أنوف المحتلين والشانئين.