11 سبتمبر 2025
تسجيلقد يختلف نطق اسم شخصية هذا المقال، فهناك من يقول «صيه» وآخر ينطقها «صجه» ومهما اختلف النطق إلا أن المعنى واحد، فالكلمة عربية فصيحة جذرها صج وهو الصوت الذي يصدر من طرق الحديد بالحديد. وتأتي الكلمة بمعنى الازعاج الصوتي في اللهجة المحلية، فيقال مثلا للأصوات العالية او الضجيج «وش ذا الصجه»، أو قد تستخدم لنهي من يكثر في الكلام والبربره (أي الكلام المتواصل) فيقال له «تراك صجيتنا» أي أزعجتنا أو «عورت راسنا»، ولا أستبعد أنها تطور لكلمة ضجة في اللهجة المحلية والله أعلم. وسواء صيه أو صجه فأنت عزيزي القارئ في غنى للاستماع الى أحاديث هذه النوعية من البشر، فيقال فلان «صيه» ومعناها باختصار قد يطلق على مدعي البطولة والمعرفة والقدرة على التعامل مع الصعاب في كل شيء وأي شيء، «فيدوب تسولف « عن مشكلة حدثت لك أو تناقش موقفا ما، حتى تجد «الصيه نقز لك» وبدأ في سرد قصة مماثلة ولكنه تصرف فيها بحنكة وبطولة منقطعة النظير. «فالصيه» لديه قدرات خارقة وإمكانيات مذهلة، وهذه القدرات لا يمكن لأحد أن يراها بل هي مجرد قصص وروايات تسمعها منه، ولكنه «حزت الحزه» كم يقال يطبق سياسة «اعمل نفسك ميت». ولعل هذه الصورة من «الصيه» الذي يختفي وقت الحاجة اليه تكون واضحة وجلية عندما تقابل مسؤول «صيه»، فهذه النوعية من المسؤولين دائما ما تسمع منهم انهم يحلون اصعب وأعقد المشاكل ويصلحون ما يخفق فيه الآخرون وأن الحياة العملية بدونهم سوف تتوقف وتختل موازين الطبيعة وأنهم هم العقل المدبر والقوة المحركة، أو هذا ما توحي به أقوالهم وقصصهم ورواياتهم، ولكنك عندما تقصدهم في مسألة ما في صميم عملهم، فهم يتحولون بقدرة قادر الى شخصية «الشبح» ولن تستطيع رؤيتهم أو التواصل معهم مهما فعلت أو حاولت، وإن «دعت لك أمك» واستطعت التواصل مع احدهم فلا تعتقد بأنك ستجني من ورائه أي ثمار، فهو مؤلف بارع للأعذار المقنعة والحجج الدامغة التي يستطيع أن يتهرب بها من أصعب المواقف. «والصيه» قصاص ماهر فهو يشدك بأسلوبه الممتع في سرد الأحداث ولكنك مع الوقت تتضح لك الرؤية ويعجز عقلك عن تحليل ومعالجة كمية «الشلخ» (أي الكذب) في تصوير بطولاته، ومع ذلك فإن كنت من الذين لديهم قدرة على الصبر وسعة الصدر وطول البال «فالصيه» يمكن أن يكون وسيلة ترفيهية ممتازة للاستمتاع وقضاء الوقت. ولعل شخصية الصيه موجودة في كل مكان وزمان، ولكن المشكلة عندما يكون هذا الصيه هو أحد أقربائك أو اصدقائك، فأنت في هذه الحالة تكون على مفترق طرق بين الصمت أو المواجهة. فإن قررت أخذ طريق الصمت والسكوت وكما يقال «بلعت موس وسكت» على ما تسمع وجاريت الصيه في طرحه فأنت هنا تصبح حبيبه وأفضل انسان لديه، أما إن قررت والعياذ بالله المواجهة والتشكيك والاستقصاء عن الحقيقة فيما يقول فأنت تضع نفسك في موقف العدو اللدود الذي يتمنى العمى على أن يراك في أي مكان أو زمان. وهناك من يمكن ان أطلق عليهم «صيات السوشل ميديا» وهم مجموعة من الابطال الخارقين تراهم في وسائل التواصل الاجتماعي يدندنون على أوتار ما يريد المتابعون سماعه، فهم بشكل عام لا تهمهم القضايا المجتمعية بقدر ما يهمهم عدد المتابعين لهم لجني الأموال، حتى إنهم أحياناً يفتعلون المشاكل والنزاعات فيما بينهم لزيادة عدد المشاهدات لمسلسلهم الدراماتيكي الرخيص. ولعل هناك تشابه بين شخصية «الصيه» وشخصية «المهايطي» الذي تناولناها في مقال الأسبوع الماضي، وفي الواقع فإنني أرى أن كل صيه مهايطي ولكن ليس كل مهايطي صيه، وهذه مجرد فلسفة كاتب وليست حقيقة علمية، فكلاهما أي «الصيه والمهايطي» يحب إظهار قدراته العجيبة ومزاياه الفريدة. وختاما أقول: هناك مثل خليجي يقول «مالك الا خشمك ولو هو عوي» أي انك لا تستطيع التخلص من أنفك حتى لو كان معوج وغير جميل فأنت مضطر للتأقلم والتكيف مع وضعك والتفكير بإيجابية والتغاضي عن بعض الأمور حتى تستمر الحياة دون منغصات، فسواء كان «الصيه» قريبا أو صديقا أو زميل عمل أو مسؤولك المباشر في العمل، فأفضل طريقة للتعامل معه باعتقادي هو نظام «كبر دماغك» حفاظاً على سلامة صحتك العقلية والنفسية. @drAliAlnaimi