11 سبتمبر 2025

تسجيل

السعودية والسرعة الجنونية

19 نوفمبر 2017

الضربات الموجعة تتوالى على المملكة وتثير غضب العالم على سياساتها ألمانيا تتهم السعودية بإثارة الأزمات المفتعلة كمنهج للتعامل مع الأشياء خسارة فادحة لكل مغامرات السعودية فهل يرتدع صناع القرار ويوقفون تهورهم كان الأسبوع الماضي حافلاً بالإخفاقات السياسية المزعجة للحكومة السعودية، حيث تلقت ضربات موجعة من عدد من عواصم العالم بعد أن تبين أن المملكة تسير بسرعة كبيرة في اتجاهات خاطئة ويبدو أنها اصطدمت بالعديد من الخطوط الحمراء لهذه الدول، مما يوحي أننا ربما قد نرى ردود أفعال أقوى ضد السعودية التي بدأت منذ 2017 في تنفيذ سياسة تشبه سيارة مسرعة، وقد تعطل جهاز مثبت السرعة وقد تتحطم في أول حائط يقابلها. سعد الحريري غادر الرياض متحرراً من قيود الإقامة الجبرية في السعودية وربما متحرراً من سجن الريتزكارلتون الذي يقبع فيه عدد من كبار الأمراء وكبار رجال الأعمال دون محاكمة أو اتهامات محددة.. الحريري استقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم أمس استقبالاً رسمياً في قصر الإليزيه وكأنه لا يزال "دولة الرئيس"، وهذا اعتراف ضمني فرنسي بأن سعد الحريري لا يزال هو رئيس وزراء لبنان وأن استقالته المتلفزة كأن لم تكن، قبل ذلك حمل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشدة على محاولات التدخل في الشأن الداخلي اللبناني وقال: "لبنان يجب أن يحل مشاكله دون تدخل خارجي" وأضاف: "موسكو تدعم سيادة لبنان".. في الحقيقة لا أحد يعلم من الذي أوحى للقيادة السعودية أن الريادة لا تأتي إلا بانتهاك السيادة!. لقد عبر وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن التشابه في افتعال السعودية الأزمة مع قطر ولبنان بقوله: "إن ما حدث لقطر يحدث الآن مع لبنان بطريقة أخرى" وأكد الوزير: "هناك محاولات للتسلط على الدول الصغيرة في المنطقة لإجبارها على التسليم" ووجه الشيخ محمد بن عبد الرحمن نصيحة لكل من السعودية والإمارات بأنه يتعين عليهم "فهم أن هناك نظاماً وقوانين دولية يجب احترامها". في غضون ذلك صعدت ألمانيا من لهجتها ضد السعودية وقالت على لسان وزير خارجيتها زيغمار غابرييل "إن التصرفات السعودية مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ليست معتادة" ووجه الوزير الألماني رسالة مبطنة بالتحذير إلى السعودية عن أن هناك إشارة مشتركة من جانب أوروبا بأن روح المغامرة التي تتسع في السعودية منذ عدة أشهر لن تكون مقبولة ولن نسكت عنها". ولم يكتف الوزير غابرييل بذلك "بل تحدث عن الأزمة الإنسانية والحرب في اليمن والصراع على السيادة في قطر" وأكد أن هذه الأزمات المفتعلة صارت "منهجية للتعامل مع الأشياء". على إثر تلك التصريحات القاصفة قامت السعودية بـ "سحب" سفيرها لدى ألمانيا احتجاجاً على امتعاض برلين من سياسة الرياض المتهورة في المنطقة، وربما ستقوم السعودية بفرض إجراءات متشددة ضد ألمانيا، وقد يقوم مطربوها بغناء "علم ألمانيا" أو قولوا لـ ألمانيا، وقد تنظم السعودية اجتماعات قبلية للتنديد بسلوك برلين المتطرف ولا أستبعد أن تتهمها الرياض بدعم الإرهاب!!. وقبل ذلك بساعات عبرت المملكة الأردنية عن مخاوفها من تداعيات التقارب السعودي – الإسرائيلي، وهي تخشى من أنها من سيدفع ثمن هذا التقارب، ونقل موقع RT الروسي تقريراً كتبه الصحفي البريطاني ديفيد هيرست تضمن قلق الأردن من قيام السعودية بتقديم تنازلات عن حق اللاجئين الفلسطينيين وما سيترتب على ذلك من تبعات سياسية واقتصادية ستتكبدها الأردن دون أن تكون طرفاً في أي حوار سعودي – إسرائيلي. وذكر هيرست – عن مصدر مقرب من الديوان الملكي الأردني أن السعودية تتعامل مع الأردنيين والسلطة الفلسطينية كما لو كانوا "عبيداً"، وأنه يتعين عليهم أن يوافقوا دون نقاش، ويرى المسؤول الأردني أن بلاده ستدفع الكثير مقابل هذا التقارب، منها أنها ستفقد حق الوصاية على "القدس" وانتقال الإشراف على الأماكن المقدسة في فلسطين إلى الوصاية الدولية، وهو ما يعني أن الأردن سيفقد مكسباً دينياً وسياسياً هاماً كراع للحرم الشريف كما هو منصوص عليه في المعاهدة التي أبرمها الأردن مع إسرائيل في عام 1994، إلى جانب ذلك يخشى الأردن من دفع قاتورة اقتصادية واجتماعية ضخمة بعد انتهاء حلم "حق العودة" للفلسطينيين، حيث إن نصف سكان الأردن هم من الفلسطينيين، وإلغاء حق العودة يعني وقوع حالة من الاضطراب في المجتمع الأردني، ومنح الفلسطينيين الجنسية الأردنية – حسب كلام المسؤول الأردني – سيعني منحهم المزيد من الحقوق، وهو ما قد يؤدي إلى رد فعل عنيف في أوساط السكان الأردنيين. داخليا.. مازال كبار الأمراء ورجال الأعمال وأصحاب المليارات محبوسين في محبسهم الفاخر في الريتزكارلتون ولكن دون خدمات "5 نجوم"، ويبدو أن الهدف من هذه الاعتقالات اللافتة هو الوصول إلى تسويات وتنازلات مالية بهدف ضخ المزيد من الأموال في خزانة المملكة المنهكة من المصروفات التي اضطرت لصرفها في مغامراتها الفاشلة في المنطقة.. وربما الصدمة التي لم تحسب لها الرياض حساباً هي أن وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت أمس الأول أنها تتابع أنباء الصفقة بين السعودية والمعتقلين، بينما قالت صحيفة فايننشال تايمز إن الحكومة السعودية عرضت على المعتقلين التخلي عن نسبة 70% من ثرواتهم مقابل إخلاء سبيلهم، ووصفت الصحيفة ذلك بأنها "محاولة لنقل الأملاك إلى خزانة الدولة المتهالكة، ولم يستبعد الإعلام الغربي حدوث اعتقالات جديدة.. ونقلت صحيفة فايننشال قلق المستثمرين الأجانب خاصة وأن عملية التطهير كانت "انتقائية" كما وصفتها الصحيفة. ما الذي يحدث للمملكة؟ هل هذه هي السعودية التي كانت صمام أمان المنطقة والحضن العربي الكبير الذي كان يلجأ إليه الجميع حين تشتد الأزمات؟ لماذا تحولت السعودية من حلالة للمشاكل إلى مثيرة لها؟.. يبدو أن السعودية خلعت ثوب العقل وأعجبها التهور وتبنت سياسة اللامنطق واللاعودة.. واللاعب السياسي الذكي هو من يترك لنفسه مخرجاً للعودة، ومن الفطنة ألا يحرق السياسي كل أوراقه وأن يحتفظ بورقه الرابح دوماً لا أن يحرقه في تهور سياسي سيعود عليه بالخسائر والسمعة السيئة، حيث سيتسبب ذلك في خسارة دوره الإقليمي وعدم ثقة شركائه وهي خسائر سيدفع لتعويضها الكثير.