12 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا يموت الربيع العربي

19 نوفمبر 2013

للأسف يبدو أننا سنضطر مرغمين إلى قبول أقل النتائج وأبعدها عن الديمقراطيات المحكمة خشية من وقوع أسوأ الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية نتيجة انفلات الأمور خلال مرحلة النهوض الكسول  للعالم العربي عندما فكر في تغيير واقعه السياسي والثورة على الأنظمة المتسلطة، ولم نجد مثالا كامل المواصفات لنقنع العالم بأننا انتصرنا على التاريخ المرير واستطعنا أن نتغلب على تشرذمنا وجهالتنا، وأننا قد وصلنا إلى مرحلة متقدمة جدا من النضوج السياسي التي تمكننا من إعادة رسم الخارطة الجينية لمراكز الحكم في العالم العربي، بل إن ما حدث كان أسوأ مما توقعنا. أسوأ نتائج الربيع العربي، أنه كشف مدى ضعف وجهل الغالبية من شعوبنا وخصوصا الطبقات المثقفة سياسيا على فرض أنها فعلا مثقفة وسياسية وذلك نتيجة سياسات التجهيل ورفع الوضيع فوق الوضيع، لذلك وجدنا أن الغاية الأساسية قد تكشفت بنظرية الاستبدال البشري لا بالتغيير الجذري والكامل لسياسات وإستراتيجيات وتنظيف العمق المتعفن للدولة العربية، وثبت أن السواد الأعظم لا يستطيع  التخطيط ولا معرفة ماذا يريد، والسبب في اعتقادي هو الفترة الطويلة من التجهيل  وفقدان الخيارات والمدارس الفكرية والسياسية والخنوع للهوى العام الذي في بلاد المضطهدين والمحكومين ببساطير العسكر وهراوات الأنظمة.  لذلك رأينا كيف أن التواقين إلى إصلاح حياتهم السياسية والاقتصادية عندما تحركوا لوضع  عجلاتهم في الشارع  وضعت الأنظمة العصي بين الدواليب، ثم فجأة خرج طمي كثير من البشر لا يعرف في السياسة وليس لديه أدنى فكرة عن المناورات وأصول اللعبة السياسية، فكانوا أشبه ما يكون بطمي النهر الغنيّ، خامته مفيدة ولكن موجه أغرق الزلال الذكي من الناس الذين كان من الممكن أن يقودوا حراكات ومظاهرات وثورات الشعوب دون غايات خاصة ولا انتظار تعليمات الاندساس  المعَطل وسط الزحام الثائر لإفشال التحرك  نحو تغيير الأنظمة الفاسدة بأنظمة جديدة ونُظم سياسية  تشتبك مع الآخر لإنتاج دولة حديثة تختلف عن سابقاتها. من تونس حيث الشرارة الأولى لا يزال الوضع الشعبي كما هو عليه، وسلسلة الاغتيالات وضرب الثورة السلمية التي طردت بن علي  لا تزال تهدد منجزات الثورة، وتركت تونس تواجه مستقبلها دون معرفة ما يخبؤه المستقبل  للدولة الأكثر حداثة وانفتاحا في بلاد المغرب العربي، فيما ليبيا غرقت حتى أعلى سارية العلم الليبي الجديد بالفوضى وتحكم المليشيات والجماعات المسلحة، وباتت السلطة السياسية المؤقتة  مهددة بالاختطاف في أي وقت، مقابل تهديد هو الأخطر والمتمثل بالنزعة الانفصالية عن الوطن، فيما يغلف البعض رغبتهم الانفصالية برفع شعار الفيدرالية واللا مركزية للدولة التي عانت عقودا طويلة  من حكم الجاهلية  والتجهيل. أما مصر وهي الزاوية الأثقل فها هي الأمور لا تخفى على أحد، فالانقلاب على الديمقراطية قلب موازين الفهم عند الناس فمن أقبل في السابق على صناديق الانتخاب بكل رضا، عاد ليُقبّل عصا السلطة العسكرية، والإعلام الذي من المفترض أن يكون مرآة المجتمع وحامل رسالة الحرية  بات ضائعا بين شتم الذاهب ومدح المقبل، فبعد أن انتقد حكم مبارك ورحب بحكم د. محمد مرسي، عاد دون خجل ولا وجل  لمهاجمة  فترة مرسي والتبشير والتبجيل لحكم العسكر من جديد، فيما الشارع المصري منقسم لاتجاهات كثيرة  قد لا نحصيها لو أردنا. في المقابل تحولت الثورة السورية إلى حرب أهلية طاحنة، أخرجت ضغائن وأحقاد التاريخ، وتشرد الشعب ما بين لاجئ خارج بلده أو نازح داخله، ومن اختار الحرب ضاع بين جيش النظام والاستسلام له أو الانخراط في القوى المسلحة الثائرة، ومع هذا لم يسلم أحد من الاصطفافية، فليس هناك ميدان  للحياد في بلد امتلأ بالخنادق والبنادق، وتفاجأ الجميع بأن ذلك النظام يحمل كل ذلك الحظ والحظوة عند أنظمة عالمية وإقليمية دعمت موقفه على حساب الدولة السورية ومقدرات الشعب ومستقبله الاقتصادي والاجتماعي، فيما المعارضة  السياسية لا تزال منقسمة على نفسها، وأصيبت بعدوى النظام على ما أعتقد. أما اليمن فلا تزال الخلافات والاختلافات تعصف بالحراك السياسي رغم تغير اسم الرئيس، والسبب أن أدوات النظام وأساليبه القديمة لا تزال هي المستخدمة في سبيل الوصول إلى نظام سياسي حديث  يصنع مقاعد للجميع في قطار المستقبل، وهاهو اليمن ساحة مفتوحة للصراعات الداخلية، ومرتع للجماعات الطائفية المتطرفة، وهدف سهل للمقاتلات والصواريخ الأمريكية التي تصطاد المطلوبين لها بكل يسر وسهولة دون احتجاج رسمي يذكر. الربيع العربي كان لنجاحه شروط مهمة  وهي أن يقاد من قبل شخصيات تحمل فكرا خلّاقا ورؤية صحيحة وصحية لمستقبل الشعوب، وكان الأحرى أن يتشكل مجلس ثورة يتضمن عباقرة في القانون الدستوري والاقتصاد والسياسة والإدارة، وتشكيل حكومات ثورة متكاملة تطرح مشاريع تنقل الدولة وشعوبها إلى مرحلة تسبق بها الأنظمة التي استغلت نقاط الضعف لدى أهل الربيع الذي بدت تتضح أسباب ومظاهر موته للأسف.