18 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا سمّاها الكيان "عَمُود السّحَاَبْ"؟

19 نوفمبر 2012

حريّ بنا أن نحلّل التسمية الدينية في استخدام الكيان الاسرائيلي "عمود السحاب" للعمليات العسكرية التي بدأتها قواته الغاشمة على غزة باغتيال الشهيد "أحمد الجعبري" القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس". فهل هو مجرد اعتزاز ديني لشحذ معنويات أم لكسب انتخابات مقبلة أم لتذكير بتاريخ أبعد من ارض كنعان في ظلّ ظروف حسّاسة في المنطقة وإيمان شعب بمقولات تخلّد أساطير لدى فئة طالما تردّد انها "شعب الله المختار"؟ فهل أراد به الكيان ترويع غزّة ام هو إطلاق أريد به ما هو أبعد من غزة؟ الرمزية الدينية في استخدام مسمى "عمود السحاب" علماً على الغارات الاسرائيلية على غزة حالياً لا تبتعد عن اسطورة الشعب المختار الذي يزعم أنه لا يهزم أبداً، فالتسمية تشير إلى أبعاد اخرى تحملها إلى تاريخ أحداث وموقع هذه التسمية... والتي وفقاً لما جاء في قاموس الكتاب المقدّس انها: "رمز لسير الله وسط شعبه وحمايته لهم، وقيادته لهم في جميع رحلاتهم". حيث "كان الرب يسير أمامهم نهارًا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلًا في عمود نار ليضيئ لهم، لكي يمشوا نهارًا وليلًا. لم يبرح عمود السحاب نهارًا وعمود النار ليلًا من أمام الشعب" (13: 21 و22). ولما طارد فرعون وجيشه الشعب أمام البحر الأحمر، "انتقل ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم. وانتقل عمود السحاب من أمامهم ووقف وراءهم. فدخل بين عسكر المصريين وعسكر إسرائيل، وصار السحاب والظلام وأضاء الليل. فلم يقترب هذا إلى ذاك كلّ الليل" (14: 19 و20)، فكان لبني إسرائيل نورًا وسترًا، أما لأعدائهم فكان ظلامًا.":" — وفقا لسفر الخروج — عن مرجع موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وتبرز الإشارة إلى "عمود السحاب" في عدّة مواقع من التوراة، تلك التي تتعلّق بإظهار الله قدرته أمام اليهود أو لمساعدتهم في سفر "الخروج"، أو عند مخاطبة النبي موسى، خصوصا وإنه يرمز لـ "سلوك طريق البحر الأحمر" للفرار من مصر، واستخدم أيضاً خلال المواجهة مع جيش "فرعون" مصر، واستخدمت أيضا خلال صعود موسى عليه السلام إِلى جبل سيناء لتلقّي التعاليم المقدّسة في الديانة اليهودية. التسمية حسّاسة في وقت حسّاس ولمنطقة لا تقلّ حساسية في ظلّ ربيع عربي ساخن على الكيان، ولا أعتقد أن المصطلح الديني في هذا التوقيت الشعبي والسياسي العربي المتغيّر يحمل تسمية معنوية تشير فقط إلى اعتزاز الإسرائيليين بالمصطلح لأنه سبب حمايتهم من جنود فرعون مصر كما ورد في كتب "الإنجيل" و"التوراة" و"الزبور" ولم يستخدم هنا وفي هذا الموقف بالذات لتذكير شعوبهم الجبناء إلى الحماية التي "سيوفرها الربّ لبني إسرائيل" ضد أعدائهم، ولم يكن سطحياً لشحذ الهمم فحسب، إذ أن عملية الرصاص المصبوب السابقة على قطاع غزة عام 2008 كان اسمها يحمل بعداً عسكرياً بحتاً يشي بتتالي الغارات صبّا، أما إضافة صبغة القدسية على عدوان غاشم على غزة تمّ فيه اغتيال قيادة سياسية بطريقة تصفية غير شرعية في وقت مختلف عربياً من عام 2012، فإنه يشي بلا شك بما هو أبعد من هذه العمليات العسكرية؟ فهل التبرّك بـ"عمود السحاب" أعني الرب الذي يسير في عمود ليلاً ونهاراً باختلاف ما هيته بين الوقتين سواء كان نوراً ام ناراً هو قتلٌ وترويع وتحذير لمَن وجهت لهم الضربة الميدانية في مساحة صغيرة لا تتجاوز "360 كم مربع"، هي غزّة بصمودها وأبطالها الذين يغنون حقاً عن ملايين المقاتلين الصامدين؟ وهل تريد السحابة الحالية أن تسبغ على نفسها خصال عصر النبوّة لتعزف على وتيرة "الربّ" لتشق طريق البحر الأحمر وسيناء وان اختلف التاريخ واختلفت المعطيات الدينية والتاريخية والبشرية والزمانية والمكانية؟ وهل للتسمية أبعاد سياسية أخرى تتجاوز غزّة الصامدة خصوصاً بعد كسر أمير قطر لحصارها وعودة الجارة "مصر" وهيبتها لأهم قضية عربية وإسلامية، وتتابع دعم عدد من الدول العربية والإسلامية ممثّلة بزيارة وزير الخارجية التونسي ورئيس الوزراء المصري والدعم التركي؟ فضلاً عن تتالي الحكومات الإسلامية على عروش الديمقراطيات الشعبية العربية التي باتت تشكّل رئة لغزّة ومأزقاًَ على اسرائيل يراد معه إعادة تشكيل سياسي لموازين القوى في وطننا العربي الذي أرادوه "شرقاً أوسطَ" صغُر أم كبر لضمان غرسها في خاصرته؟