14 سبتمبر 2025

تسجيل

قانون التجار أم قانون الأعمال التجارية؟

19 أكتوبر 2023

يثور التساؤل هنا، هل تسري أحكام القانون التجاري على التجار أم الأعمال التجارية، أي هل تسري قواعد القانون التجاري على الأعمال أم على الأشخاص؟ بداية إن مسألة وضع نطاق تطبيق للقانون التجاري ليس بالأمر الهين؛ ويرجع ذلك إلى عدم وضوح الفواصل بينه وبين القانون المدني، إذ يصعب تفريد وتحديد الحيز الذي يحتله كل منهما؛ لأن التأثير متبادل بين القانونين، أيضًا، تتغير الحدود الفاصلة بينهما بحسب المكان والزمان، لذلك يستوجب توضيح الحدود التي تفصلهما عن بعضهم البعض؛ حتى يتسنى لنا تطبيق أحكام كل منها في موضوعه. وقد اختلفت المعايير بشأن نطاق تطبيق قواعد القانون التجاري، وهي كل من المعيار الشخصي (الذاتي)، والمعيار الموضوعي (المادي). المعيار الشخصي أو الذاتي: محور هذا المعيار هو التاجر، توضيحًا لذلك، القانون التجاري وفقًا لهذا المعيار، هو عبارة عن (قانون التجار)، أي بما مؤداه أن غير التاجر يخرج من تطبيق أحكامه ولو قام بأعمال تجارية، والنظر ينصب على القائم بالعمل وليس على العمل نفسه. خلاصة القول إذا، أن التاجر هو من يخضع لأحكام وقواعد القانون التجاري دون غيره. مثلًا لذلك، فطالب الجامعة إذا قام بشراء سيارة بقصد التربح منها، فهو لا يخضع للقانون التجاري وفقًا لهذا المعيار؛ لأن من قام بالتصرف ليس بتاجر. نقد المعيار الشخصي: كان المعيار الشخصي عرضةً للنقد من عدة اتجاهات، وذلك لأن التاجر كما هو مسلم به، يكتسب صفته من خلال احترافه أحد الأعمال التجارية، وتكرار العمل وإتيانه بصفة مستمرة، فتقوم هذه التشريعات الآخذة بهذا المعيار، بمحاولة تحديد الحرف التجارية. أما عن الانتقادات فهي: 1- إن المعيار سالف الذكر غير دقيق، لأنه يتطلب حصر الحرف التجارية التي يُكتسب من خلالها صفة التاجر، ثم بعد عملية الحصر، يمكننا أن نفرق بين التاجر وغير التاجر. إلا أنه نجد عملية حصر الحرف التجارية ليست بعملية سهلة؛ نتيجة التطور المستمر للتجارة وإفرازها المزيد كل يوم للأعمال التجارية، كالبيع من المنازل والتجارة الإلكترونية وغيرها. 2- صعوبة معرفة والتكهن بالحرف التجارية التي ستظهر في المستقبل، فالمشرع لا يعلم الغيبيات، ومنها -مثلا- لا يستبعد أن نسمع يوما عن شركة تقوم ببيع أراضٍ وعقارات في الفضاء. 3- صعوبة تحديد مفهوم الحرفة، لأن التاجر هو كل من يمارس عملًا تجاريا إلى درجة الاحتراف، ولذلك يستوجب على المشرع أن يحدد معيارا آخر لمفهوم الاحتراف؛ حتى نفرق بين التاجر وغير التاجر، وهذا ليس بأمر يسير. 4- لا تقتصر أعمال التاجر على الأنشطة التجارية، بل إنه يقوم بأعمال مدنية، فهو يعقد القران ويتزوج، ويبيع ويؤجر بغير قصد الربح، فمن الطبيعي عدم تطبيق قواعد القانون التجاري على هذه الأعمال وحال ما إذا قام بها تاجر. 5- ليس من المتوافق عليه إدراج عمل غير التاجر عندما يقوم بنشاط تجاري، بقصد المضاربة وتحقيق الربح، في رحاب القانون للمدني، بناءً على أنه غير تاجر. فيحرم من خصائص القانون التجاري. ومن أمثله التشريعات التي أخذت بالمعيار الشخصي، كل من القانون الألماني لسنة 1897، والسويسري لسنة 1911، والإيطالي الصادر سنة 1942. المعيار الموضوعي أو المادي: محور هذا المعيار هو العمل التجاري، ولبيان ذلك، نقول إن القانون التجاري وفقًا لهذا المعيار، يطبق على الأعمال التجارية، حتى لو قام بها غير تاجر، والأعمال المدنية يطبق عليها القانون المدني حتى لو قام بها تاجر، فيسمى (قانون الأعمال التجارية)، وهذا المعيار ينظر إلى العمل نفسه وليس القائم بالعمل. والحكم السابق يطبق حتى على الشخص الذي يقوم بالعمل التجاري لمرة أو مرات قليلة لا تصل إلى الاحتراف، ولكن بمجرد أن يصل الشخص إلى الاحتراف، فإنه هنا يكتسب صفة التاجر، إلا أن هذه الصفة لا ترتب إلا أحكام خاصة، كمسك الدفاتر التجارية، وخضوع التاجر لنظام الإفلاس، والقيد في السجل التجاري. فطالب الجامعة إذا قام بشراء سيارة بقصد التربح منها، فهو يخضع للقانون التجاري وفقًا لهذا المعيار؛ لأن التصرف نفسه يعد تصرفًا تجاريًا، ولا نعتد بصفة القائم بالتصرف. نقد المعيار المادي: على الرغم من أن المعيار المادي يقوم على طبيعة العمل، وهو أقرب للمنطق ويحقق المساواة بين المجتمع ويؤكد على مبدأ الحرية الاقتصادية، فيحق لكل شخص مزاولة التجارة، إلا أن هذا المعيار لم يسلم من الانتقادات، وهي: 1- يفرض المعيار طبيعته، فيجب وضع ضابط كي نميز بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية؛ وذلك لأن العمل التجاري هو المحور الذي يقوم عليه المعيار المادي، ووضع الضابط ليس من الأمور التي يسهل القيام بها، فلا يمكن وضع ضابط جامع مانع. 2- لا يمكن التنبؤ بالأعمال التجارية التي ستظهر في المستقبل. إذ قد ظهرت العديد من الأعمال التي لم يكن لها وجود حتى عهد قريب، ومنها الشركات التي تنظم رحلات بغواصات بحرية في أعماق البحار، أو بيع الأراضي في عالم الميتافيرس وغيرها. 3- هذا المعيار وسع دائرة نطاق تطبيق القانون التجاري بلا مبرر، فاستقلال القانون التجاري عن المدني كان سببه هو التجار وليس العمل التجاري، فالقانون منذ نعومة أظفاره قانون شخصي. 4- توجد أحكام مشتركة بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية، مثل عقود البيع والإيجار والتأمين والرهن، ويصعب التفرقة بينها سواء كانت في صورة تجارية أم مدنية. ومن أمثلة التشريعات التي أخذت بالمعيار المادي، القانون التجاري الفرنسي الصادر سنة 1807.