20 سبتمبر 2025

تسجيل

حلف إقليمي يتشكل في مواجهة طالبان

19 أكتوبر 2021

تبريد التعاطي الدولي مع حركة طالبان أفغانستان وحكومتها الجديدة، يُواجَه بتسخين أمني وعسكري على الجبهة الإقليمية، تجلّى ذلك بلقاءات مكثفة، ورحلات مكوكية بين عواصم نيودلهي ودوشانبه وطهران وموسكو ولندن وواشنطن، للدفع على ما يبدو لتشكيل معارضة للتحالف الشمالي الأقلوي، لممارسة ضغط على حكومة طالبان سياسياً وعسكرياً، والظاهر أن من يحمل لواء هذه الجبهة على المستوى الإقليمي الهند، التي ترى نفسها أكثر المتضررين والخاسرين جراء وصول طالبان إلى السلطة، حيث فقدت كل استثماراتها الاقتصادية والعسكرية والأمنية طوال العقدين الماضيين من الاحتلال الأميركي لأفغانستان. تحوّلت نيودلهي إلى قبلة لكل مديري المخابرات المعنية بتشكيل هذه الجبهة، فكان أن وصلها مدير المخابرات الروسية والأميركية والبريطانية والطاجيكية، ووفقاً للمعلومات فإن الاتفاق الذي حصل بين الجانب البريطاني والهندي بهذا الخصوص، يقضي أن تتولى الأخيرة مهمة التنسيق بين الجماعات المعارضة في الشمال الأفغاني، على أن يتفرغ الجانب البريطاني للعمل في جنوب غرب أفغانستان وجنوب شرقها، بحكم خبرته التاريخية في المنطقة. ويقوم الجانب الأمريكي من طرفه باستخدام قاعدة لدّاخ الهندية القريبة من الحدود الأفغانية والباكستانية، لمراقبة نشاطات طالبان وهو ما أقلق الباكستانيين، فهرع على الفور مدير المخابرات الأميركية ويليام بيرنز إلى إسلام آباد لطمأنة الباكستانيين الذين لن يطمئنوا بكل تأكيد، ما دام الخصم الهندي جزءاً من اللعبة. الخطوة العسكرية الأوضح في هذا التحرك، هو طلب واشنطن من دوشانبه السماح لها باستخدام قاعدة هندية قريبة من العاصمة الطاجيكية. وتنوي واشنطن نقل 20 مروحية عسكرية أفغانية إليها كانت قد فرّت إلى أوزبكستان قبل دخول الحركة إلى كابول، من أجل صيانتها استعداداً لاستخدامها ربما مستقبلاً في أي حرب ضد طالبان، ومعلوم أن الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمانوف من أشد المناوئين لطالبان، وبرز أخيراً بحشد قواته على الحدود الأفغانية، مما استدعى حشداً طالبانياً مماثلاً. الجانب الروسي الذي يحظى بدوره بعلاقات تاريخية مع التحالف الشمالي، لا يخفي انزعاجه وقلقه من وصول طالبان إلى السلطة، وينسق على ما يبدو مع الطرف الإيراني لمواجهة الحركة، لاسيما مع مباحثات رئيس هيئة الأركان الإيرانية المشتركة الجنرال محمد باقري مع وزير الدفاع الروسي، الذي تحدث في نهاية المحادثات عن الوضع المقلق في أفغانستان، وتبادل الخبرات والتجارب بين الطرفين، ولعل التفجيرين اللذيْن استهدفا مسجدين للشيعة في ولايتي قندوز وقندهار تكئة وذريعة للتصعيد الإيراني وربما للتصعيد الإقليمي ضد الحركة. حكومة طالبان تواجه تحديات متعاظمة لاسيما في الجانب الاقتصادي، فضلاً عن الجانب الأمني، حيث التضخم يُرهق المواطن الأفغاني العادي، مع تجميد واشنطن عشرة بلايين دولار أميركي لأفغانستان، حيث تصرّ على شروطها في توسعة الحكومة الأفغانية وتحسين تعامل طالبان مع ملف حقوق الإنسان والأقليات، وإن كان باعتقاد الكثيرين أن هذه شروط مطاطة، لا يمكن قياسها، ومن ثم ستظل واشنطن تمارس عملية الابتزاز والضغط على الجانب الطالباني كسباً لمزيد من التنازلات، وربما استغلالاً للوقت بانتظار عمل عسكري معارض ضدها. لقد دعت روسيا إلى اجتماع يوم التاسع عشر والعشرين من الشهر الجاري في موسكو تشارك فيه باكستان والصين وأمريكا لمناقشة الوضع الأفغاني، وهو الذي يأتي بعد يوم واحد من زيارة رئيس الأركان الإيراني الذي سبق أن زار باكستان أيضاً. مثل هذا المؤتمر ربما يرمي لتنسيق الجهود في التعامل مع طالبان وحكومتها الجديدة، لاسيما في ظل دخول روسيا في تحالف إقليمي لمواجهة طالبان، وهو ما قد يتطور إلى اتجاه عسكري، وبالتأكيد فإن حلف إسلام آباد بكين يتباين إزاء التعاطي مع طالبان عن الدول الأخرى، فقد دعا وزير خارجية بكين إلى رفع التجميد الأميركي عن الأموال الأفغانية، والاعتراف بحقوق الشعب الأفغاني وخصوصيته، وكانت قمة العشرين الأخيرة قد فشلت في اتخاذ موقف موحد إزاء طالبان في ظل دعوة روما وأنقرة إلى الفصل بين الاعتراف وإغاثة الشعب الأفغاني، وإن كان الكثير يرى صعوبة فك الأمرين عن بعضهما. من جانبها سعت حكومة طالبان إلى كسر العزلة الدولية والإقليمية عليها، عبر زيارة وفدها برئاسة وزير الخارجية أمير خان متقي إلى تركيا، ولكن على ما يبدو تعاني الحركة من خلافات داخلية، تحول دون تقدمها السريع، الذي يتطلب منها تنازلات ومراجعات فكرية وعملية عاجلة وسريعة، وهو أمر ليس سهلاً وعليها القيام به، خصوصاً أنه يتطلب إقناع رموزها فضلاً عن قواعدها بالتخلي عن تركةٍ عمرها مئات السنين.