20 سبتمبر 2025
تسجيلإنه نظام لا يجيد تلك اللغة من بعيد أو قريب، ولا يحاول تعلمها أو إتقانها، ولا يتقبل نصحا بشأن التعاطي معها، أو تغيير رأيه بشأنها. ما يجيده هو اللغات المناقضة والألسن المخالفة تماما، هذا ما أكدت عليه الحقائق والوقائع منذ أكثر من سبعة أشهر وحتى الآن، دون أن تكون هناك حاجة لإضاعة الوقت في أية محاولات سوى ذلك. لا يتعلق الأمر بحال من الأحوال بلغز نطرحه حول المعنيّ بالأمر، أو اللغة التي يتقنها أو تلك التي لا يتقنها. فإذا ما أعياكم الجواب ـ ولا أظن ذلك ـ فيكفي أن تتطلعوا على خلاصة ما صدر عن الاجتماع الوزاري الأخير لجامعة الدول العربية بالقاهرة، وردود الفعل التي رافقت جلساته أو تلتها مباشرة، لتعرفوا أن المقصود هو النظام السوري، وأن اللغة العصية عليه هي لغة الحوار والتحاور ومشتقاتها مع شعبه، أو جيرانه وبني قومه، فيما هو سليط اللسان في التهديد والوعيد والتخويف والتخوين، طليق اليد في قتل الأبرياء من المدنيين العزّل، وسفك دمائهم، سواء مع بني وطنه أو أشقائه العرب، أو مع جميع مخالفيه في الرأي من دول وهيئات دولية وأممية ومؤسسات حقوقية ونقابية ومنظمات مجتمع مدني عبر العالم، لا يرى الصواب إلا فيما يقوله أو يقوم به أو يوافق هواه تماما، وكل ما عداه زيف وكذب ووراؤه مؤامرات وخيانات، تستهدف وجوده. لقد حاول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية إلقاء طوق النجاة الأخير إلى هذا النظام من خلال دعوته للحوار مع شعبه الثائر منذ أكثر من سبعة شهور على ظلم امتد لعدة عقود ـ وليس إلى الرحيل أو مغادرة كرسيّ حكمه ـ حتى وإن جاءت المحاولة متأخرة جدا، وبخاصة بعد أن ولغ في دماء شعبه، ولكنه أبى واستكبر، إذ ما كان من مندوبه الذي عبس وبسر إلا أن وزع الاتهامات على الجميع ـ كالعادة ـ أثناء جلسة الاجتماع، فتوقيت الدعوة " غريب مريب" ويرتبط " بفشل تحرك الولايات المتحدة وأوروبا" لاستصدار قرار في مجلس الأمن ضد نظام بلاده، وأجهزة الإعلام العربية الشفافّة التي تنقل ما يقترفه من جرائم بحق شعبه وإن كان ـ النزر اليسير المتاح ـ رغم منعه لها على الأرض تمارس " تزويرا إعلاميا"، ويجب وقف دورها " التحريضي الممنهج"، لأنها مسؤولة عن كل قطرة دم سورية تسأل بسبب ذلك. أما المعارضة، وهي مسلحة ـ بالطبع ـ وليست سلمية، فقد كشف سرا خطيرا لأنها تتلقى أسلحة رشاشة وقنابل من دولة معادية هي " إسرائيل". أما بعد الاجتماع مباشرة وقبل أن يجفّ حبر توصيات بيان الاجتماع الوزاري العربي فقد سارع التلفزيون السوري لإعلان أن نظامه يتحفظ على دعوة الجامعة العربية لحوار بمقرّها وإشرافها، ويشدد على أنه قادر على إدارة شؤونه وأمنه بنفسه. إنه نظام متغطرس متعال يفتقد إلى أدنى حدود اللباقة والكياسة والحكمة والحنكة حتى مما يفترضون أنهم يمثلونه دبلوماسيا، ألم يقم رأس هرم هذه الدبلوماسية و"معلّمها" بشطب أوروبا كلها من على الخارطة، واعتبر أنها " غير موجودة لمجرد أنها قامت بفرض عقوبات اقتصادية تدريجية عليه وعلى رموزه!، بعد إن لم يستجب لنداء الإصلاح ووقف العنف ضد شعبه، ألم يهدد ويتوعد كل من يعترف من دول العالم بالمجلس الوطني السوري الذي يمثل المعارضة فور تشكله، وكأنها من ضمن رعاياه باعتباره قوة عظمى! ثم ألم تصل عبر قمة هرمه السياسي رسائل بتدمير المنطقة بأسرها وإشعالها فيما تجرأت على استهدافه، أو عبر مؤسسته الدينية بالقيام بعمليات انتحارية من خلال " شبيحته" و" شبيحة" الموالين له في لبنان في أوروبا فيما لو استهدف على غرار ما يتوعد به " تنظيم القاعدة" خصومه. لو كان النظام يريد الحوار حقا لفعل منذ زمن، فقد كانت الفرصة متاحة له منذ أكثر من سبعة أشهر، فالمظاهرات السلمية لم ترفع في البداية سوى المطالب بإصلاح النظام، وبقيت كذلك إلى أن سالت الدماء وتعامل النظام معها بعنف وقسوة، بل إن الشرارة الحقيقية للثورة الشعبية السورية لم تنطلق إلا بعد أن رفض النظام التحاور مع المحتجين من أهالي درعا للإفراج عن أطفالهم الصغار الذين كتبوا على الحيطان ببراءة " الشعب يريد إسقاط النظام"، مقلدين ما سمعوه من شعارات الحركات الاحتجاجية في تونس ومصر، وأصر على التعامل معهم ومع أهليهم معاملة أمنية قاسية. ولو أن النظام يريد الحوار لما رفض حتى الآن التعاطي مع معارضة الداخل التي لم تناد حتى الآن بإسقاط رأس النظام أو رحيله، ولما رفض أيضا مبادرة الأمين العام للجامعة التي تزامنت مع زيارته لسوريا. بعد كل ذلك.. ترى هل وصلت رسالة النظام السوري إلى الجامعة العربية وإلى مجلس التعاون الخليجي ودوله، وماذا هم فاعلون الآن بعد رفض النظام الصريح والعلني لمبادرتهم ومهلتهم التي حدودها بأسبوعين لبدء التحاور بينه وبين المعارضة، وهل يتعين عليهم الانتظار لانقضاء هذه المدة بعد هذا الرفض الجلي الواضح، أم سيكون لهم رد فعل مختلف الآن، خصوصا وأن أمانة الجامعة ولجنتها المكلفة بمتابعة الملف السوري أعلنتا أنهما تعتبران نفسهما في حالة انعقاد دائم لتقييم الوضع في سوريا، وأن وزير الخارجية القطري قال: "لا أتصور أن يبقى الوضع مأساويا في سوريا لفترة أطول"، وبتعبير آخر هل سيكون ما يدور في أورقة الجامعة مقدمة لتجميد عضوية النظام السوري في الجامعة والاعتراف بالمجلس الوطني السوري أم لن يتعدى الأمر منح فرص جديدة للنظام لارتكاب مزيد من المجازر، والتقاط الأنفاس. الإجابة على التساؤلات السابقة هي التي ربما ستحدد رأي الشعب السوري الثائر وللمرة الأخيرة في الجامعة والنظام العربي سلبا أو إيجابا بعد أن شعر أنهم قد تخلوا عنه طيلة الشهور الفائتة رغم أنه كان ولا يزال تحت سكاكين المقصلة.