17 سبتمبر 2025
تسجيلمن غيّب تاريخ أمّتنا من المناهج؟ أعني الحكوميّة المدرسية والجامعيّة قبل الخاصة! و(مِن) المناهج لا (عنها)، إذ ليت التغييب بقي على مستوى المجاوزة عَن تاريخنا بل تعدّاها إلى الاستغراق. أكتب -وكلّي ألم- وفي يدي كتبي التي احتفظ بها من تاريخ الوطن العربي الحديث والمعاصر في الثانوية العامة وتاريخ المشرق العربي الإجباري في المتطلّبات العامّة الرئيسة في السنة الأولى لكليّة الآداب. أقلبها !! وفي الوقت نفسه أقلب مناهج التاريخ اليوم فأتحسّر على فقرها. فلم يدع السالبون مناهجه وشأنها في تطوير التعليم الحكومي بل وحتّى الجامعي في المقرّرات العامة التي تعتبر مفاتيح للعلوم، كيف والحقائق مرهونة بالتاريخ وفي تهميشه تعمية وتشكيل للمنطقة وفقا لمخططات الأقطاب الدولية بالقوّة الناعمة. وأي قوة أشدّ من التخدير أو التجنيد الفكري الداخلي، لذلك لا غرابة أن تجد اليوم من يمجّد الغرب بينما يوسع روابطه الدينية واللغوية والجيوسياسية شتما وقذفا. والمفارقة أن مدارس الغرب – وعن تجربة - ما فتئت تمتحننا الامتحان الشامل في التاريخ والجغرافيا قبل دخول كليّات الاعلام والعلاقات الدولية وبرامجه العليا بل جعلت القبول مرهونا به أيضا ضمن الشروط الأخرى. لقد عرف أجدادنا في قطر والخليج أهمية التاريخ وعرفه أيضا بعدهم جيل عروبي حتى النخاع تربينا على يديه يوم استمدت هويتنا من أكاديميتين الأسرة والمدرسة رغم أميّة كثير من جيل الأجداد، ولكن غاب الجيل الجديد عن جذوره بل غُيّب فضاعت المدرستان!! من يتصفح الدراسات الاجتماعية في مناهج الثانوية سيجدها قصاصات عملت عليها مؤسسات خارجية من عمر تطوير التعليم في قطر جاءت بنهج مختلف يتناسب مع اللادولة واللاتاريخ في محاكاة لمن حصر نهج الدراسات التاريخيّة في دولة ليس لها جذور ولا هوية مثلنا لأنها سارقة للتاريخ ومصنوعة بالجغرافيا لذلك تركز في منهجها على «تاريخ أمريكا» لتصنع مجدا ومرجعية لمحو تاريخ السكّان الأصليين واستخدامه في كلّ شعار لحملة انتخابية رئاسيّة ب (المجد لأمريكا) إذا لاحظتم. ولا زلنا نتساءل: لماذا لم نستفِد من دروس التاريخ وهي مكرّرة بينما يستخدمها الغرب عموما بدهاء في تخطيط حملاته ضدنا ؟ لقد طمسنا أهميته يوم سمحنا لغربيين النخر في منهجه فضعفت قيمة القوة والدفاع المشترك المبني على الروابط والمصير المشترك. ويوم أن غُيّب خبراؤنا المحليّون المخضرمون من عرب وقطريين أو ربّما غابوا عن قول كلمة حق في أمانتهم! أو ربّما غيّبت! في تعليم اليوم اختزل منهج الصف العاشر في الخصائص الطبيعية لقطر وخصائص السكان وتاريخ قطر الحديث والمعاصر والهوية والتحديات العالمية والديمقراطية والنزاهة والشفافية والأنشطة الاقتصادية والبيئية المستدامة وفي الحادي عشر جاء المنهج اختصارات من التاريخ الدولي. أمر جيّد أن ندرّس تاريخ قطر ومواقفها المشرّفة ووساطاتها الدوليّة، ولكن ما ليس بمنطقي ألا يوضع لتاريخنا المشترك الا وحدة من درسين فقط في كل فصل بشكل لا يتوازى وقيم قطر السامية ومواقفها. ولم تتّسق الأهداف المنصوص عليها في كل وحدة «قطر والقضايا العربية» و «قطر والقضايا العالمية» مع تاريخنا، فالتاريخ حقائق وعبرٌ في ذاته لا مجرّد قضايا عابرة منتقاة، فلم تركّز على مواقف قطر العظيمة والكثيرة سوى على (مكافحة الإرهاب!) أو بعض القضايا الحديثة المعقّدة مثل وساطة دارفور؟ وكأنّ الطلاب في الخارجية أو قسم العلاقات الدولية، فضلا عن تثقيفهم بتاريخ لاحق قبل معرفة السابق؟ فلو سألت الطالب ما المشكلة أصلا ولماذا انقسمت السودان؟ ومن الذي تزعم الانفصال؟ وما هي حركة التحرير والعدالة ؟ لن تجد إجابة! ربّما من يقرأ مقالتي الآن لا يعرفها أيضا ! أمر جيّد أيضا أن نركّز على القيم العالمية والتسامح والسلام والحوار بين الحضارات ولكن كُثّفت نبرتها وكأننا أصحاب الشقاق فيما لم تجد القضايا العنصرية التاريخيّة والمعاصرة ضد أمّتنا أمثلتها. أمر محمود أن تجد القدس وقضيتنا الفلسطينية المصيريّة منهجها في الثانوية العامة ولكنّ الطرح جاء متواضعا. تصفّحوا مناهج تعليم أبنائكم، فالتعليم شراكة مجتمعيّة. ابن خلدون سمّى الذين يغفلون عن أهميّة التاريخ «متبلدين» عن أمر الأجيال الناشئة، لذلك بنى مقدمته ضمن المباحث الثلاثة في علم الاجتماع الحديث أولاً على «فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والإلمام بمغالط المؤرخين». مغالط المؤرخين!! فما بالكم بالطامسين؟؟ فسلامٌ على أجيال قطر الحديثة عندما قلّص المتنفّذون مناهج التاريخ في التعليم الحكومي فأصبح خاويا هزيلا.... وسلامٌ عليها يوم استشرى نفوذهم فأودى بتاريخ الوطن العربي الإجباري من السنة الأولى لكليّات الآداب. ناهيك عن إسقاط إجبارية اجتيازه مسبقا لمن يتخصص في الشؤون الدولية والاكتفاء بمقرر إجباري وحيد بعد التخصص (تاريخ الشرق الأوسط) مع اختلافنا حول الفرق الجوهري بين التسميتين. وسلامٌ على الطلاب وهم يتخصصون في أقسام العلوم الاجتماعية الأخرى أيضا مثل الإعلام والتاريخ بدراسة مقرر اختياري وحيد بين «تاريخ قطر أو الخليج» في السنة الأولى. سلامٌ على الهويّة والولاء والانتماء!! على جيل! على وطن! على أمّة! وما زال ابن خلدون يذكرنا أن «علم التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم وتشدّ إليه الركائب والرحال، وأنّه جمّ الفوائد والاقتداء لمن يرومه» فهل ناخت ركابنا... وهرمت رحالنا فسلّمنا جذورنا لـ «مستشرقين جدد» شدّوا رحالهم إلينا في عصر مختلف لا يستدعي إقامة لورنس واحد بيننا.. بل التأسيس المنهجي لتدجين ألف لورنس محلي وبدون تكاليف..... التاريخ...مستقبل... فهل نرومه؟